ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى الأدلة على إثبات الرؤية من كتاب الله تعالى فقال: [قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢-٢٣]] .
قوله:(نَاضِرَةٌ) من النضرة والنور والضياء، وقوله:((إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي: تنظر إلى ربها سبحانه وتعالى، وهذه الرؤية هي الرؤية العيانية البصرية التي يثبتها أهل السنة والجماعة.
وما تأوله المتأولة بقولهم: إن المقصود أنها إلى ثواب ربها ناظرة، أي: منتظرة، فهذا تأويل ضعيف جداً؛ لأن لفظ (نظر) إذا عدي بـ (إلى) كما في هذه الآية: فإنه لا يكون إلا في باب النظر البصري العيني، وإذا عدي بـ (في) فيكون بمعنى التفكر، كما في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأرض}[الأعراف:١٨٥] ، لكن قوله تعالى:{انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}[الأنعام:٩٩] ، المقصود بالنظر هنا البصر، أي: انظروا إلى ذلك الثمر، ومن ثمَّ فإن الآية نص صريح في إثبات الرؤية، وقد قال بتفسيرها جماهير السلف رحمهم الله تعالى؛ فإنهم فسروها على أن المقصود بها: الرؤية، أما تأويلها بغير ذلك فهو تأويل باطل وضعيف.
ثم قال المصنف: [وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥] ، فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا لم يكن بينهما فرق] .
هذا الاستدلال والاستنباط من هذه الآية استنبطه عدد من علماء أهل السنة، ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؛ فإنه احتج بهذه الآية على إثبات الرؤية؛ لأن الله تعالى يقول في سورة المطففين عن المشركين:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥] ، فذكر الله سبحانه وتعالى من ضمن عذابهم أنهم يحجبون عن ربهم تبارك وتعالى، وهذا الحجاب لو كان شاملاً للكفار وللمؤمنين لما صار بالنسبة للكفار عذاباً وسخطاً من الله سبحانه وتعالى، ولقال قائل: وما الفرق أيضاً؛ فالمؤمنون محجوبون عن ربهم والكفار محجوبون عن ربهم؟ فلماذا هذا التهديد والوعيد؟! إذاً: استنتجوا من هذا التهديد وهذا الوعيد أن هؤلاء الكفار معاقبون بالحجاب، وأنهم لا يرون ربهم سبحانه وتعالى، وعلى ضوء ذلك فإن مقابلهم من المؤمنين الصادقين لا يحجبون عن ربهم سبحانه وتعالى، وإنما يرونه وينظرون إليه، وهذا دليل صحيح وقوي، وهذا استنتاج دقيق وصحيح.