كنا قد وقفنا عند قول الشيخ رحمه الله تعالى: [فمما جاء من آيات الصفات قول الله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن:٢٧]] .
بعد أن ذكر المصنف مقدمة جليلة في منهج أهل السنة والجماعة بين فيها وجوب السير على منهاجهم والتحذير من سلوك طريقة أهل البدع المخالفة لطريقتهم وذكر أقوال الأئمة كـ الأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وقبلهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكر بعد ذلك القصة التي وقعت في زمن الواثق في محنة القول بخلق القرآن، وكيف أن ذلك الشيخ استطاع بعون من الله وتوفيقه أن يرد على منهج المعتزلة في هذا الباب؛ حيث رد عليهم بمنهج أهل السنة والجماعة القائم على أن هذه الأمور المتعلقة بأسماء الله وصفاته لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان من القرون المفضلة قد جهلوها، فكيف يأتي بعد ذلك أفراخ القرامطة والمتأثرون بالفلاسفة والسائرون على المناهج العقلية بتأويلات وتحريفات متعددة؛ ليكونوا هم العالمين بها؟! والأمر يتعلق بأمر غيبي لا مجال للعقل فيه، ألا وهو إثبات أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته وما ورد في ذلك من أخبار.
فبعد أن قدم الشيخ هذه المقدمة بدأ يذكر أمثلة، فقال رحمه الله تعالى:(فمما جاء من آيات الصفات) ، وسيأتي بعد قليل بذكر أحاديث الصفات، ويلاحظ هنا أن ابن قدامة -لأنه كان متأخراً- لم يذكر بعض الصفات، مثل: صفة العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر؛ لأن هذه الصفات السبع لم يكن بين أهل السنة والجماعة وبين كثير من العلماء المنتسبين في ذلك الوقت إلى الإمام الشافعي أو أبي حنيفة أو مالك أو حتى أحمد بن حنبل من الأشعرية والماتريدية خلاف في الجملة في إثبات هذه الصفات، ولهذا لم يستشهد بها ولم يذكرها، وإلا فإن هذه الصفات لله سبحانه وتعالى هي من الصفات الثابتة، والشيخ أراد أن يذكر نماذج، ولهذا قال:(فمما يثبته أهل السنة من الصفات) ، فهو ذكر نماذج منها، لكنه ذكر من الصفات ما وقع فيه خلاف، فذكر أول صفة وهي صفة الوجه لله تبارك وتعالى، واستشهد لها بآية من القرآن، وهي قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧] .
وقد وردت صفة الوجه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] ، وأيضاً ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}[الأنعام:٦٥] ، فقال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}[الأنعام:٦٥] فقال: أعوذ بوجهك، ثم قرأ:{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}[الأنعام:٦٥] فقال صلى الله عليه وسلم: هذه أهون) ، فاستعاذ صلى الله عليه وسلم بوجه الله تعالى؛ ولهذا ورد في الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض وجرى بينهما ما جرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له:(إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها) .
فالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دلت على أن الله سبحانه وتعالى له هذه الصفة التي هي صفة الوجه؛ وصفة الوجه نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، لا نتأولها ولا نعطلها ولا نشبهها ولا نكيفها، وإنما نثبتها كما أثبتها السلف الصالح رحمهم الله تعالى.