[نشهد بالجنة لكل من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بها]
ثم قال المصنف مقرراً لقاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة:[وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بها] .
فأهل السنة والجماعة يشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، أما من لم يشهد له الرسول فإنه يشهد له شهادة عامة، فيقال: كل من مات من المؤمنين فهو من أهل الجنة، نرجو له ذلك.
لكن لا نشهد بأن فلاناً بعينه في الجنة إلا لمن شهد له الرسول مثل العشرة، ومثل ما أورده المصنف هنا في قوله: [كقوله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) ] .
أي: فنشهد لهما رضي الله عنهما وأرضاهما أنهما من أهل الجنة.
قال المصنف: [وقوله لـ ثابت بن قيس: (إنه من أهل الجنة) ] .
وهذا أيضاً ثبت في الحديث الصحيح، وثابت بن قيس صحابي كان جهوري الصوت، ولما نزل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات:٢] ، خاف أن يكون هو المقصود، فقال:(أنا جهوري الصوت، وأرفع صوتي، فأخاف أن عملي قد حبط) ، ولهذا ورد أنه بقي في بيته وقال:(والله لا أخرج منه حتى يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أموت) ، وفي إحدى الروايات عند ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما: أنه رضي الله عنه وأرضاه حبس نفسه في اصطبل الفرس، وأمر زوجته بأن تضرب مسماراً على صاج الباب؛ ليكون ذلك تصبيراً نهائياً، وقال:(والله لأبقين في هذا المكان حتى يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أموت) ، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى لهذا الصحابي الجليل قال صلى الله عليه وسلم:(أخبروه وبشروه أنه من أهل الجنة) ، فلما بشر بذلك ما استطاع أن يخرج بسبب المسمار؛ لأنه كان قد سمره تسميراً نهائياً رضي الله عنه وأرضاه، فكسر المسمار، وفتح الباب وخرج.
ومثله أيضاً عكاشة بن محصن، ومثله خديجة بنت خويلد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهما بالجنة، ومثله الرميصاء رضي الله عنها وأرضاها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمع لها صوتاً في الجنة فقيل: من هذه؟ قيل: هذه أرجل الرميصاء بنت ملحان، رضي الله عنها وأرضاها، وهي التي تزوجها أبو طلحة، فكان مهرها الإسلام، فإنه خطبها وهو مشرك، فقالت: لا أقبل وأنت على الشرك، لكن إن أسلمت فيكفيني مهراً، فأسلم أبو طلحة، وتزوجها، فكان مهرها الإسلام.
فمن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فإنا نشهد لهم.