[كف السلف عن الخوض في المسائل التي ابتدعها المتأخرون]
ثم قال رحمه الله تعالى: [وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى] .
قوله: (وهم على كشفها كانوا أقوى) أي: إن أولئك السلف الصالح رحمهم الله تعالى لو أرادوا أن يخوضوا في تلك المسائل بعقولهم لاستطاعوا أن يخوضوا فيها، وهذه الأمور التي ابتدعها المتأخرون وقالوها لو كانت خيراً لسبق أولئك إليها.
ولو كان ما فيها من معانٍ هي مما يليق بالله سبحانه وتعالى لسبق أولئك ولكشفوها؛ فإنهم كانوا أعمق الناس، وأذكى الناس، وأرجح الناس عقولاً، رحمهم الله تعالى.
وقوله: (وبالفضل لو كان فيها أحرى) ،أي: أنهم كانوا أسبق إلى الفضائل، ولهذا كل من جاء بعدهم أقل فضلاً منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك القرن الخيرية فقال: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) .
فالقرن الذي نبتت فيه نابتة الافتراق والاختلاف والأقوال البدعية وغيرها، لا يمكن أن يكون أفضل من القرن الذي كان فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فهم كانوا أسبق الناس إلى أنواع الفضائل من أولها إلى آخرها، فكانوا أسبق الناس إلى كل فضل وإلى كل خير.
ثم قال رحمه الله تعالى: [فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم] .
يعني: أن هذه الأمور المحدثات كلها مخالفة لهدي أولئك السلف الكرام رحمهم الله تعالى، ورغبة عن سنتهم، فكل ما ابتدعه المتأخرون -كما أشار عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى- مخالف لهم، ومخالف لهديهم وسنتهم.
ثم قال: [ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي] .
قوله: (وصفوا منه ما يشفي) ، أي: أن أولئك الصحب الكرام نقلوا ما ورد من هذه الصفات ومسائل العقيدة كلها، وكل ما نقلوه إلى من بعدهم هو مما يشفي القلوب، ولهذا من اقتصر على هديهم انشرح صدره، وشفي قلبه، ومن لم يقتصر على ذلك بل ظن أنهم قصروا فأعمل عقله وأدخل نفسه في باب التأويلات الباطلة ونحوها، انتابته الأمراض المتعددة.
وبلا شك أن اطمئنان السلف الصالح ليس كفوضى المتأخرين، فمن سلك سبيلهم كان أكثر اطمئناناً، فهم رحمهم الله تعالى وصفوا لنا وبلغونا ما يشفي، وتكلموا بما يكفي؛ فإنهم رحمهم الله تعالى كان كلامهم قليلاً، لكن كان مفيداً، وكان كلامهم مربوطاً بعمل، بخلاف من كان بعدهم، فقد كثر كلامهم، وقل فقههم، وتقلص عملهم، فأصبح المتأخرون يقولون ما لا يفعلون، ويكثر كلامهم بلا فائدة.