ثم إن المصنف رحمه الله تعالى انتقل من الحديث عن إثبات كلام الله إلى قضية أخرى متعلقة بكلام الله تعالى، ألا وهي القرآن العظيم الذي أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فقال:[فصل: ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم] .
تكلم الله بالتوراة وبالإنجيل وبالزبور، وكلم أنبياءه، ومن كلامه أيضاً القرآن العظيم.
ثم قال عن القرآن:[وهو كتاب الله المبين] .
ولا شك أنه كتاب الله الذي أبان الله به المحجة، فهو مبين مفصل محكم، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بأنه هدىً ونور وفرقان، ولا يكون هدىً ونوراً وفرقاناً وضياءً إلا إذا كان بين الدلالة واضحاً؛ يقرؤه الجميع فيتعظون به، ويفهمونه على مختلف مستوياتهم؛ فلا يمكن أن يقول قائل: أنا أقرأ القرآن من أوله إلى آخره ولا أفهم منه شيئاً؛ فإن الله تعالى يقول:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧] .
فالقرآن فيه أحكام وفيه مسائل وفيه قضايا لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، لكن فيه مواعظ يفهمها الجميع، حتى المرأة وحتى الصغير وحتى العامي، وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده.
ثم قال:[وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين] .
ولا شك أن من اعتصم بالقرآن واستمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى، واستمسك بهذا الدين القويم؛ فهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وهذا واضح المعنى.
وقوله:(وتنزيل رب العالمين) هذا كما ورد في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:١٩٣] ، وقوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[الدخان:٣] ، وقوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:١] ، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَاً}[الكهف:١] ، وغيرها من الآيات.