للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الإرادة]

وقول المصنف رحمه الله تعالى: (ومن صفاته أنه الفعال لما يريد) ، أي أنه سبحانه وتعالى كما وصف نفسه في القرآن فعال لما يريد، فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويختار، وليس لأحد من الخلق اختيار ولا مشيئة إلا ما كان منها داخلاً تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى.

وهذه المشيئة الكونية هي المشيئة العامة الشاملة، وهنا أحب أن أنبه إلى قول المصنف: (أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته) ، هنا الإرادة والمشيئة كلاهما بمعنىً، أي: أن المقصود بهما الإرادة الكونية؛ لأن المشيئة لم ترد في كتاب الله تعالى إلا كونية.

أما الإرادة فإنها وردت في كتاب الله تعالى وفي السنة على قسمين: القسم الأول: الإرادة القدرية التي هي مرادفة للمشيئة، وهذه هي الإرادة الكونية الشاملة، وهي المقصودة هنا من كلام المصنف.

القسم الثاني من الإرادة: الإرادة الشرعية، وهذا الإرادة الشرعية مختصة بما يحبه الله تعالى ويرضاه من أمور الشرع، ولهذا فإن الله تعالى يريد منا الصلاة، والتوحيد، والعمل الصالح، ولا يريد منا ترك الصلاة، ولا الشرك، ولا العمل الفاسد المخالف لأمره سبحانه وتعالى.

فنقول: هذا يريده الله، أي: يريده شرعاً، وهذا لا يريده الله، أي: لا يريده شرعاً لأنه من المعاصي، ودليل هذا من كتاب الله تعالى قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] ، فهذه الإرادة في هذه الآية المقصود بها الإرادة الشرعية، ولا مدخل لها هنا في باب القضاء والقدر، وإنما لها علاقة من طريق سنعرض له فيما بعد إن شاء الله تعالى.

أما القسم الثاني من الإرادة -وهي التي قصدها المصنف هنا- الإرادة المرادفة للمشيئة، وهي الإرادة الشاملة لكل شيء، فكل شيء يقع في هذا الوجود: وجود الكفار، والمنافقين، والمؤمنين، ووجود العصاة، ووجود الطاعات وغير ذلك، كله بإرادة الله الكونية، وبمشيئته الكونية، وسيوضح المصنف ذلك بعد قليل إن شاء الله تعالى.

وقوله: (أنه الفعال لما يريد) ، قال سبحانه عن نفسه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] ، فهو سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض، وأوجدنا، وكلفنا، وأنزل علينا، فهل لنا إرادة في ذلك؟

الجواب

لا، وهل لأحد من الخلق إرادة في هذه الأمور كلها؟ الجواب: لا، وإنما الإرادة الكاملة لله سبحانه وتعالى، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا يدل على تفرده بالربوبية، فتفرده بالخلق والإرادة والتدبير مقتضٍ لربوبيته سبحانه وتعالى، وأنه وحده الرب الخالق المنعم المتفضل.

ولهذا قال المصنف هنا: (لا يكون شيء إلا بإرادته) ، أي: إرادته الكونية.

وقوله: (ولا يخرج شيء عن مشيئته) ، هذا كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٨-٢٩] ، فالإنسان له مشيئة، لكنه لا يستطيع أن يخرج عن مشيئة الله القدرية الكونية؛ ولهذا قال: ولا يخرج شيء عن مشيئته.

وقوله رحمه الله تعالى هنا: (شيء) هذا لبيان العموم؛ حتى يدخل في ذلك المكلفون من البشر، وغير المكلفين من الحيوانات، أو من الجمادات أو غير ذلك، فلا يخرج شيء عن مشيئته، ولهذا لما خلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض قال لهما: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١] ، فلا يخرج عن ربوبيته وتقديره أحد؛ حتى الكفار، ولهذا تجد أن الكفار وغير الكفار على حد سواء في خضوعهم لهذه المشيئة القدرية، فهؤلاء جميعاً يوجدون ويخلقون ويعيشون، وتختلف أشكالهم، وألوان أبدانهم، وطولهم، وقصرهم، ورزقهم، وتنفسهم، ومعيشتهم، وسكنهم، ووفاتهم، كل هذه الأمور لا يملكون منها شيئاً، فمن هو الذي يتصرف فيهم كما يشاء، ولا يخرج أحد منهم عن مشيئته وإرادته؟ إنه الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>