وربما يأتي بعد قليل ما يتعلق بهدي الصحابة رضي الله عنهم، لكن المصنف ابتدأ بقضية من القضايا الكبرى في منهج أهل السنة والجماعة، إلا وهي قضية الإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يقولون ما قاله المصنف هنا حين قال:[وأفضل أمته أبو بكر الصديق] .
وهو عبد الله بن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، شهرته تغني عن التعريف به، فـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه هو أفضل الأمة على الإطلاق عند أهل السنة والجماعة، وعندهم أيضاً أنه هو الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما كيف ثبتت له الإمامة؟ فاختلف العلماء في ذلك: فبعضهم قال: ثبتت له بالنص، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر) ، ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته وواعدها من العام القادم قالت:(فإن لم أجدك يا رسول الله؟! قال: تجدين أبا بكر) ، ومثل قوله:(مروا أبا بكر فليصل بالناس) ، ومثل قوله:(يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) ، ومثل حديث القليب حين دلى صلى الله عليه وسلم رجليه في القليب، فجاء أبو بكر وجلس عن يمينه، ثم جاء عمر وجلس عن شماله، فأول ذلك بخلافتهم إلى آخره.
وبعض العلماء قالوا: إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه إنما ثبتت بمبايعة الصحابة له بعد توجيه النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته عليهم بأن يختاروه.
وهذا القول الثاني هو الصحيح، والدليل عليه حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه، لما قيل له حين طعن: استخلف، فقال:(إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني: أبا بكر - وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني) يعني رسول الله، فهذا دليل على أن الرسول لم يستخلف أبا بكر.
هذا الدليل الأول.
والدليل الثاني: أنه لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على أبي بكر لما تخلف الصحابة عن مبايعته لحظة، ولما كان هناك حاجة إلى اجتماع السقيفة، ولما جرى فيها كلام، ولا بايعوا أبا بكر، أي: أنه لو جاءهم واحد من الصحابة وقال: سمعت الرسول يقول: بايعوا أبا بكر، لبايعوه ولما ترددوا، لكن الصحابة فهموا ذلك من إنابته في الصلاة، ومن بعض أحاديثه، ولأنه كان يحب أن يكون هو من بعده، ثم إن الرسول عزم على أن يكتب كتاباً، ولكن لما اختلف الصحابة واشتد اللغط قال لهم:(قوموا) ، فهذه الكتابة يحتمل أن تتعلق ببعض الأحكام مثل أحكام الجدة والعول والجد والإخوة والعقل، وغير ذلك من الأحكام التي تمنى الصحابة أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغهم علم عنها، ويحتمل أنه قد كان أراد أن يكتب لـ أبي بكر كتاباً يوصي فيه بأن يكون هو الخليفة من بعده.