للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقصود بالمحكم والمتشابه في القرآن الكريم]

وهنا ما هو المحكم والمتشابه في هذه الآية؟ كثر خوض الناس في هذا، وخاصة من تعرض لمسائل علوم القرآن، فقلما تعرض من كتب في المحكم والمتشابه في علوم القرآن إلا وأخطأ في فهم هذه الآية، فالإتقان للسيوطي والبرهان للزركشي وغيرهما من الكتب التي تعرضت لعلوم القرآن لما جاءوا إلى هذه الآية، وتكلموا عن المحكم والمتشابه أخذوا يعرضون بأن المتشابه هو مثل بعض الصفات، فيدخلون الصفات في باب المتشابه، ويجعلون المتشابه فيها إما أن يفوض معناه، وإما أن يتأول، أي: أن تتأول هذه الصفات إلى معانٍ أخرى لم تدل عليها ولم يدل عليها سياق الآيات الكريمات.

والحق أن الأسماء والصفات ليست من المتشابه، وإنما هي من المحكم، ولهذا كثرت في الآيات الدالة على هذه الصفات، لكن ما يتعلق بكيفية هذه الصفات هو الذي نقول فيه: إنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

أما معنى الصفة فهو مفهوم، وذلك مثل قوله تعالى: {الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:٣] ، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:١١] ، وقوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:١٩٦] ، وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩] ، وغير ذلك من الآيات التي يفقه معناها، وليس فيها إشكال، ونثبتها لله كما يليق بجلاله وعظمته.

وقد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك فأين المحكم والمتشابه الذي نصت عليه الآية؟ نقول: الراجح أن التشابه المقصود في هذه الآية هو تشابه نسبي يعرض لبعض الناس، وليس هناك آيات بحد ذاتها هي من المتشابه؛ لأن بعض الناس يظن أن هناك آيات هي بحد ذاتها من المتشابه وآيات محكمات.

ونقول: التشابه الذي ذكره الله سبحانه وتعالى هنا هو التشابه النسبي الذي يعرض للإنسان أحياناً، ويعرض لبعض الآيات.

وأهل السنة والجماعة يقولون: نرد المتشابه إلى المحكم، وسأضرب مثالاً ورد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ورد في السيرة أنه لما جاء نصارى نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقى بهم، ودعاهم إلى كلمة التوحيد، احتجوا بآيات من القرآن على قولهم بالتثليث، احتجوا بمثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] .

فقالوا: (إنا) و (نحن) تفيد الجمع، فهذا دليل لنا على أن الذي أنزل القرآن جمعاً وليس واحداً، فهو دليل على أن الله سبحانه وتعالى وتقدس ليس إلهاً واحداً، وإنما هو ثلاثة آلهة: الأب والابن والروح القدس! ففي هذه الحالة وقع في هذه الآية تشابه، لكن هذا الاشتباه يعرض لواحد من الناس، لكن أعداداً كثيرة أخرى لا يعرض لهم فيها اشتباه؛ لأنهم يفهمون أن مثل هذا الجمع قد يتكلم به الجمع، وقد يتكلم به المفرد الذي يعظم نفسه.

فإذاً: ما دام أنه قد يتكلم به المفرد الذي يعظم نفسه، فإنه والحالة هذه تكون دلالة الآية ليس فيها أي اشتباه، فقوله تعال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، الجمع هنا للتعظيم، والذي نزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو.

ولهذا فإننا نقول لمن وقع له نوع اشتباه في هذه الآية: الواجب عليك أن ترد المتشابه إلى المحكم، فإذا قال: وما المحكم؟ قلنا: هناك آيات ونصوص صريحة ليس فيها أي اشتباه، مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:١٦٣] ، وقوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة:٧٣] ، فهذه النصوص صريحة صراحة تامة بأن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، فإذا رددنا هذا المتشابه إلى المحكم تبين لدينا المعنى الصحيح، ولم نقع في الخلط، لكن أهل الزيغ وأهل الفتنة يتبعون ما تشابه منه، فيأتي أحدهم بمثل هذه الآية ويحتج بها على المتشابه، ويقول: إن قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ} [الحجر:٩] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [القدر:١] وقوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} [الزخرف:٣٢] ، دالة على أن الله أكثر من واحد، وحال هذا القائل كما قال تعالى: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:٧] ، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧] .

فإذاً: التشابه الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هو تشابه نسبي، يعرض لبعض الناس، ويعرض للإنسان أحياناً، فالإنسان قد يجهل معنى آية من آيات القرآن الكريم، يسمعها لكن لا يستطيع أن يحدد معناها، ولكنه إذا تدبر معناها وعلمه تبين له أن هذه الآية ليس فيها أي اشتباه وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>