إدخال أعمال الجوارح في مسمى الإيمان وإدخال أعمال القلوب في مسمى الإيمان يقتضي قضية أخرى من قضايا الإيمان دلت عليها النصوص، وهي أن الإيمان يزيد وينقص، وكل من ذكرناه سابقاً من الطوائف غير أهل السنة والجماعة يخالفون في هذا؛ فالمرجئة يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الإيمان عندهم مجرد التصديق، ولا تفاوت بين المصدقين، بينما لو تأملنا لوجدنا أنه حتى في باب التصديق يتفاوت الناس؛ لأن الناس لا يتفاوتون إذا كان الأمر خبراً عن حاضر، فمثلاً: عندما أقول لأناس: هذا كتاب، وكل واحد منهم رآه وعلم أنه كتاب؛ لأنه أمر حاضر قريب منه، فتصديقهم له لا يتفاوت، ولا يجيء واحد ويقول: أنا أكثر منهم إيماناً بأن هذا كتاب، لكن عندما يتعلق الأمر بخبر عن غائب فإنه يتفاوت، فمثلاً: لو كنا في مسجد وجاءنا واحد وأخبرنا بخبر جرى -مثلاً- في الجامعة، فقال: قبل قليل حدث كذا وكذا، فإيماننا وتصديقنا بهذا الخبر سيختلف؛ لأن واحداً منا رأى أن القائل غريب فما صدق، وواحداً آخر يعرف أنه فلان بن فلان الثقة فصدق، وواحداً شك، وواحداً كذب، فكلنا سنتفاوت في هذا؛ لأنه خبر عن غيب.
ومجمل مسائل الإيمان هي خبر عن غيب، إذاً: عندما يقول المرجئة إن التصديق واحد، نقول: لا، بل التصديق متفاوت؛ فهذا مصدق بالله وهذا مصدق بالله، لكن هل تصديقهم وإيمانهم بالله واحد؟
الجواب
لا، وهكذا الإيمان بالملائكة والإيمان باليوم الآخر، فهل تصديقنا باليوم الآخر واحد أم متفاوت؟ الجواب: متفاوت؛ فهذا قوي الإيمان، وهذا أقل منه.
وهكذا التصديق بالقضاء والقدر، والتصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
إذاً: لا شك أن التصديق يتفاوت، فإذا جئنا لأعمال الجوارح، فهل يتفاوتون؟ فذلك الإنسان الذي هو مصدق لكنه لا يعمل شيء، وذلك الإنسان الذي هو مصدق صوام قوام مطيع لله، أمار بالمعروف نهاء عن المنكر، صاحب خير وأعمال صالحات، هل إيمان هذا مثل إيمان هذا؟! الجواب: لا يمكن أن يكونا متساويين.
إذاً: تصديق القلب يتفاوت الناس فيه، وأعمال الجوارح من الطاعات يتفاوت الناس فيها، ومن ثمَّ دلت الأدلة الصحيحة على أن الإيمان يزيد وينقص، ولهذا قال المصنف هنا:(يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان) .