للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[زعم التعارض بين القدر والشرع وهم]

المسألة الخامسة هي: أن الزعم بأن هناك تعارضاً بين الشرع والقدر ما هو إلا وهم؛ وإلا فإن الإنسان لا يعلم المقدور قبل أن يفعل، فالإنسان قبل أن يفعل الطاعة أو المعصية هل عنده علم بما في قدر الله أو ليس عنده علم؟

الجواب

ليس عنده علم، فإذا لم يكن عنده علم فالواجب عليه أن يتبع الشرع، فمثلاً: إذا أذن المؤذن للعشاء فإنه لا يدري الذين مع الإنسان هل هو سيصلي أو لا؟ فبالله عليكم هذا الإنسان ما الذي يصنعه الآن؟ هو أصلاً لا يعلم الشيء إلا بعد أن يفعله، فأنت في مستقبل أمرك لا تعلم مقدور الله سبحانه وتعالى، لهذا فما الذي نفعله ونصنعه؟ وما الواجب علينا في مسألة الشرع والقدر؟ الواجب علينا أن نتبع الشرع؛ لأن الله أمرنا بذلك وكلفنا، وقال: ستحاسبون يوم القيامة على أفعالكم، ولا خيار لكم في هذا الحكم.

فلما بين الله الطريق، ووضح لنا ما الذي يأمر به، وما الذي ينهى عنه، وأنت الآن في مستقبل الأمر لا تدري، فالواجب عليك أن تفعل الطاعة، وأن تبتعد عن المعصية.

فإذا فعل الإنسان الطاعة فإنه يحمد الله، وإذا فعل المعصية فلا يحتج بالقدر، ولا يلومن إلا نفسه.

إذاً: أي إنسان قبل أن يفعل الفعل هو لا يدري ماذا في القدر، فالواجب عليه أن يتبع شرع الله، وهذا الأمر لا يمكن أن ينفك عن الإنسان أبداً، ولهذا فإنني أقول: لو جاء إنسان بعدما وقع الأمر وقال: أنا قبل أن يؤذن ما كنت أدري ماذا في قدر الله، لكني فعلاً أنا ما صليت، فتبين لي أنني ما صليت بقضاء الله وقدره.

فنقول له: نعم، صدقت، فكونك ما صليت هذا بقضاء الله وقدره، لكن لا حجة لك لأمرين: الأمر الأول: أن تركك للصلاة كان بعد قيام الحجة عليك، وأيضاً أنت تركتها بإرادتك.

الأمر الثاني: هناك صلوات أخرى مقبلة، فماذا ستصنع؟ وهل تدري ما قدر الله؟ ولو جاءنا وقال: أنا منذ زمان وأنا لا أصلي ولا أصوم، وأفعل المنكر والفواحش، وهذا دليل على أن الله قد قدر أنني أفعل هذه الأشياء، فنقول: هل تعلم الغيب؟ وهل تعلم ماذا في قدر الله؟ ولماذا لا يكون في قدر الله أنك تكون مثل غيرك؟ وأنك تتوب وتعود إلى الله سبحانه وتعالى، وتفعل الطاعات، وتجد ربك قريباً رءوفاً رحيماً.

وعلى كل حال فإن الإنسان لا يمكن أن ينفك عن قيام الحجة عليه أبداً، فحتى لو عصى أسبوعاً، وجاءنا يحتج بالقدر، فنقول له: هل تعلم ماذا في قدر الله؟ وماذا ستصنع الليلة وغداً؟ فسيقول: لا أدري، فنقول له: إذاً: لماذا لا تتوب إلى الله، فإذا ما أصر وعصى فلا حجة له، فدل هذا على أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده باتباع شرعه، والتصديق بقدره، ولا تعارض بين الأمرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>