قال بعض العلماء: وإنما لم يكتب الرسول لـ أبي بكر كتاباً لما علم أن الصحابة لن يعدلوا به غيره، وهذا هو ما حصل، فإنه باجتماع السقيفة جرى ما جرى بين الأنصار والمهاجرين، ثم بويع أبو بكر، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن مترتباً للخلافة، ولهذا جاء في حديث السقيفة أنه لما أراد عمر أن يتكلم أجلسه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر وأحسن الكلام، وتكلم مع الأنصار بكلام عظيم، وقال:(إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش، وإني قد رضيت لكم أحد هذين فبايعوهم يعني عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة) ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وقال:(لقد رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا -يقصد: الصلاة- أفلا نرضاك لدنيانا، مد يدك) ، فبايعه عمر، وبايعه المسلمون، وأجمعوا على مبايعته حتى علي رضي الله عنه وأرضاه كان من المبايعين له، وإن ورد في بعض الروايات أنه تأخر قليلاً جبراً لخاطر فاطمة رضي الله عنها وأرضاها؛ لأنها رضي الله عنها وأرضاها ظنت أن لها ميراثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبته من أبي بكر، فأبى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أن يعطيها هذا الميراث الموجود؛ لنص عنده، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) .
فهي رأت أن لها ميراثاً وأبو بكر رأى أن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مال للمسلمين، فلما لحقت فاطمة البتول رضي الله عنها وأرضاها بأبيها بايع علي رضي الله عنه وأرضاه، وفي بعض الروايات أنه بايع قبل ذلك.
وعلى القول الثاني فإنه بايع وعاش مع أبي بكر وعمر وعثمان وزيراً لهم، مؤيداً لهم، ناصحاً لهم، قاضياً لهم، حتى كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول:(قضية ولا أبا حسن لها) يعني أن أي قضية ليس لها غير أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
فقد كانوا إخوة متآخين في الله، حتى وإن جرى بينهم ما جرى، فقد جرى من الفتن بينهم ما جرى، وكلهم مجتهدون، ولذا قال علي رضي الله عنه وأرضاه:(إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر:٤٧] ) ، لكن الذي أفسد بين المؤمنين وفرق بينهم، وسب صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، هم أولئك الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.