[أدلة زيادة الإيمان ونقصانه]
ثم ذكر الأدلة فقال: [قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]] .
أي: ملة إبراهيم الحنيفية التي هي صدق الإخلاص في العبادة لله سبحانه وتعالى.
قال: [فجعل عبادة الله وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين] .
وإذا كان من الدين فهو من الإيمان.
إذاً: الدين والإيمان كل منهما يدخل فيه قول اللسان، ويدخل فيه اعتقاد القلب، ويدخل فيه أعمال الجوارح، كإيتاء الزكاة وإقام الصلاة، وهذا أيضاً دليل صريح في هذا الباب.
ثم قال المصنف: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فجعل القول والعمل من الإيمان] .
فدل هذا على أن الإيمان قول وعمل، خلافاً للمرجئة.
ثم إن المصنف بعد أن دلل على تعريف الإيمان، وأنه قول واعتقاد وعمل، أخذ يدلل على زيادته ونقصانه فقال: [وقال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤]] .
قال تعالى في أول هذه الآية: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤] ، فنزول الآيات القرآنية تزيد في الإيمان، وهذا يدل على الزيادة، وإذا قبل الزيادة فهو قابل للنقصان.
قال المصنف: [وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:٤]] .
هذه الآية في سورة الفتح، وفيها: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفتح:٤] ، وفيها أيضاً دلالة على زيادة الإيمان.
قال المصنف: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة -حبة بر- أو خردلة -معروفة، وهي: الهباءة في الهواء- أو ذرة من الإيمان) فجعله متفاضلاً] .
الدليل هنا على زيادة الإيمان ونقصانه في الحديث قوله: (وفي قلبه مثقال برة) ، ولذلك جاء في بعض روايات هذا الحديث: (يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان) ، وأدنى وأدنى هنا دليل على النقصان.
وورد أيضاً أدلة على ذلك من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، منها قوله عليه الصلاة والسلام (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ، وقوله: (أكمل) دليل على زيادة الإيمان.
وأيضاً يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي لا تصلي وقت الدورة الشهرية: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين) ، فلما سئل عن نقص الدين ذكر أنها تترك الصلاة أيام أقرائها، أي: أيام حيضها، فهذه المرأة وإن كان تركها للصلاة حكماً شرعياً إلا أنه ينقص إيمانها، لكنه تنقيص لا تأثم به، وهذا مشاهد، فالمرأة إذا تركت الصلاة وتركت بعض الأعمال كالصيام ونحو ذلك لا شك أنه ينقص إيمانها، لكنها لا تأثم بذلك، فنحن نستدل من الحديث على نقصان الإيمان، لكن ليس بلازم يترتب عليه إثم.
فمثلاً: إنسان يقوم الليل، فنقول: زاد إيمانه، ثم بعد شهر ترك قيام الليل، فنقول: نقص إيمانه، لكن نقصه لنقص الطاعة لا لفعل المعصية، أما الذي يفعل المعصية فإن مجرد فعل المعصية ينقص الإيمان، وهذا واضح جداً.
وفي مسائل الإيمان قضايا كثيرة، لكن نكتفي بما ذكره المصنف رحمه الله.