ثم إن المصنف رحمه الله تعالى انتقل بعد ذلك إلى السنة فقال: [ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) ] .
قوله:(ومن السنة) ، هذا يدل على أن منهج المصنف رحمه الله تعالى هو المنهج الموافق للسلف رحمهم الله تعالى؛ فإنهم يحتجون بالسنة وبأخبار الآحاد في باب العقيدة، وقد سبقت الإشارة إلى هذا، فأهل السنة والجماعة يثبتون لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات يثبتونها، ومن ذلك صفة النزول التي دلت عليها الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها:(أن الله تبارك وتعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الصبح) .
وصفة النزول لله سبحانه وتعالى إنما وردت في السنة، ومع هذا فإن السلف رحمهم الله تعالى حدثوا بهذه الأحاديث، ورووها، وأثبتوا ما دلت عليه كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تلزم منها لوازم باطلة، ولا يلزم منها أن يكون نزوله تبارك وتعالى مثل نزول المخلوقين؛ ولهذا ألف العلماء رحمهم الله تعالى كتباً مستقلة في إثبات النزول لله تبارك وتعالى، وهذه الكتب دالة على عناية السلف بهذه الصفة؛ نظراً لأنها ثبتت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونظراً لأن كثيراً من المتكلمين بل عامة المتكلمين تأولوا هذه الصفة بتأويلات باطلة، مثل قولهم: إن الذي ينزل هو أمره أو رحمته، ومثل قولهم: إن الذي ينزل ملك من الملائكة، فبين السلف رحمهم الله تعالى أن هذه الأحاديث إنما دلت على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى دون أن تشبه صفات المخلوقين، ومن ثمَّ فلا يجوز تأويلها.