للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان أن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود]

ثم قال: [منزل غير مخلوق] .

وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن منزل؛ لأه كلام الله، وأنه غير مخلوق، لا كما يقول المعتزلة كما بينا سابقاً.

ثم قال: [منه بدأ وإليه يعود] .

أي: أن هذا القرآن بدأ من الله تعالى؛ لأن الله هو الذي تكلم به، والكلام ينسب إلى من بدأ به متكلماً، وقد ذكرنا هذا وضربنا له مثلاً بقصيدة امرئ القيس المعلقة التي تنقل منذ عهد الجاهلية إلى الآن، وهذا أحياناً يشرحها، وهذا أحياناً يسجلها بصوت، لكن المعلقة معلقة امرئ القيس؛ لأن المعلقة هي لمن قالها مبتدئاً، وكذلك أيضاً -ولله المثل الأعلى- هذا القرآن العظيم؛ فهو كلام الله؛ لأنه سبحانه هو الذي ابتدأ هذا الكلام، ومن هنا قال السلف رحمهم الله تعالى كما قال ابن قدامة هنا: منه بدأ.

وقوله: (وإليه يعود) ، أي: إلى الله سبحانه وتعالى يعود ويرجع هذا القرآن في آخر الزمان، كما ورد في ذلك عدد من الأحاديث والآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عدد من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود وأبو هريرة، وهذا أيضاً مما لا يقال بالرأي، فيكون له حكم الرفع.

فقد ورد في ذلك ما يدل على أن هذا المصحف أو هذا القرآن يرفع في آخر الزمان من صدور الرجال، ويرفع من الكتب، ويرفع من المصاحف، فيعود إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في ذلك حديث صحيح رواه الحاكم وصححه، ورواه ابن ماجة في سننه، وهو أيضاً حديث صحيح، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب) ، ومعنى (يدرس) : ينقرض، يعني: ينقرض الإسلام شيئاً فشيئاً، والوشي هو النقوش التي على الثوب، فإذا كان الثوب ملوناً وعليه نقوش وزهور فإنها مع قدم الزمن تبدأ تنمحي، فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم اندراس الإسلام باندراس هذه النقوش التي على الثوب.

قال صلى الله عليه وسلم: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب؛ حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه حرف) ، ومعنى (يسرى) : أنه يأتي يوم على كتاب الله تعالى فيمحى ويزال من صدور الرجال ومن الأوراق، حتى لا يبقى منه آية، ويرفع إلى السماء، وهذا هو الشاهد هنا: أنه إليه يعود.

يقول في بقية الحديث: (وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها) ، هكذا رواه ابن ماجة، وفي رواية الحاكم: قال: صلة بن زفر لـ حذيفة: (ما تغني عنهم لا إله إلا الله؛ وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة، فأعرض عنه، ثم ردها عليه ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة، تنجيهم من النار، ثلاثاً) ، قال: الحاكم صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال البوصيري: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وصححه الألباني؛ حيث ذكره في السلسلة الصحيحة رقم الحديث (٨٧) .

إذاً: الشاهد هنا: أنه يسرى على هذا الكتاب ولا يبقى منه آية في الأرض، وهذا معناه عودته إلى الله سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>