الْمَذْكُورَيْنِ، وَالتَّفْرِيقُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَطْعِ النِّسْيَانِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصُومُ يَوْمَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مِنْ الثَّانِيَةِ مُفْتَرِقَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ وَيَقْضِي شَهْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مِنْ الْأُولَى وَقَدْ بَطَلَتْ بِالدُّخُولِ فِي الثَّانِيَةِ لِلْفَصْلِ.
(ص) ثُمَّ تَمْلِيكُ سِتِّينَ مِسْكِينًا (ش) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَشَرْطُهُ الْعَجْزُ عَنْ الصِّيَامِ بِيَأْسٍ أَوْ شَكٍّ عَلَى مَا يَأْتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] يَدْفَعُ الْمُظَاهِرُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا وَثُلُثَيْ مُدٍّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَوْ دَفَعَ الْكَفَّارَةَ لِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ فَلَا تُجْزِئُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَقَدْ سَدَّ خَلَّةَ سِتِّينَ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ حَاجَةَ سِتِّينَ مُحَقَّقَةٌ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَاحِدُ فِي سِتِّينَ يَوْمًا، وَلِمَا يُتَوَقَّعُ فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَمُصَادَفَةِ وَلِيٍّ وَلَوْ تَنَاهَبَهَا الْمَسَاكِينُ ابْتَدَأَهَا إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ وَإِلَّا بَنَى عَلَى وَاحِدٍ وَكَمَّلَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسَاكِينِ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا لَا عَبِيدًا لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِسَادَاتِهِمْ لِجَبْرِهِمْ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ تَبْتِيلِ عِتْقِ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ لِيَصِيرَ مِنْ أَهْلِهَا مُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى الزَّكَاةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (ص) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ لِكُلٍّ مُدٌّ وَثُلُثَانِ بُرًّا وَإِنْ اقْتَاتُوا تَمْرًا أَوْ مُخْرَجًا فِي الْفِطْرِ فَعِدْلُهُ (ش) الْبُرُّ هُوَ الْمُخْرَجُ مِنْهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنْ كَانَ قُوتُهُمْ غَيْرَهُ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالذُّرَةُ وَالْأَرُزُّ وَالدُّخْنُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ بِعِدْلِ مُدِّ هِشَامٍ أَيْ بِعِدْلِ شِبَعِ مُدِّ هِشَامٍ قَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ مُدِّ حِنْطَةٍ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِهَا فَيُقَالُ كَذَا فَيُخْرِجُ ذَلِكَ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ: الْمُعْتَبَرُ الشِّبَعُ زَادَ عَلَى مُدِّ هِشَامٍ أَوْ نَقَصَ نَقَلَهُ عَنْهُمَا حُلُولُو فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِثْلُهُ مَكِيلَةُ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَا يُجْزِئُ عَرَضٌ وَلَا ثَمَنٌ فِيهِ وَفَاءُ الْقِيمَةِ وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى إجْزَاءِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُرَدُّ بِظُهُورِ التَّعَبُّدِ فِي الْكَفَّارَةِ بِقَدْرِ الْمُعْطَى وَعَدَدِ آخِذِيهِ انْتَهَى.
وَإِنْ أَعْطَى الدَّقِيقَ بِرِيعِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا قَالَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَمَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَدْرِ اجْتِمَاعَهُمَا صَامَهُمَا وَالْأَرْبَعَةَ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَصُومُ يَوْمَيْنِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ وَيَقْضِي شَهْرَيْنِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِعَدَمِ قَطْعِ النِّسْيَانِ) أَيْ بِعَدَمِ قَطْعِ الْفِطْرِ نِسْيَانًا التَّتَابُعَ.
(قَوْله تَمْلِيكُ) عَبَّرَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْوَاجِبُ التَّمْلِيكُ قِيَاسًا عَلَى الْكِسْوَةِ فَلَوْ أَعَارَهُمْ الثِّيَابَ لَمْ يَجْزِهِ (قَوْلُهُ: مِسْكِينًا) أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْفَقِيرَ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا وَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ إلَخْ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ الْحَاجَةِ لَا يُسَلَّمُ بَلْ الْمَقْصُودُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ سَدُّ خَلَّةِ سِتِّينَ إنْسَانًا مِسْكِينًا (قَوْلُهُ: إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْأَخْذِ فَلَا يُكَمِّلُ لِوَاحِدٍ مُدًّا كَامِلًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَنَى عَلَى وَاحِدٍ وَكَمَّلَ) لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ مَعَ وَاحِدٍ مُدًّا كَامِلًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِنْفَاقِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَامٌّ، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْبَيْعِ " أَيْ فِيمَنْ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَقَوْلُهُ " أَوْ تَبْتِيلٍ " أَيْ تَنْجِيزٍ (قَوْلُهُ: أَحْرَارًا) بِالْجَرِّ صِفَةُ سِتِّينَ وَبِالنَّصْبِ صِفَةُ مِسْكِينًا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَسَاكِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اقْتَاتُوا تَمْرًا إلَخْ) أَيْ أَهْلُ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ أَوْ جُلُّهُمْ أَفْرَدَ التَّمْرَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَصْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَلَا يَدْفَعُ عِدْلَ الْبُرِّ وَقَوْلُهُ أَوْ مُخْرَجًا إلَخْ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ كَعَكْسِهِ عَلَى مَا فِي الدَّمَامِينِيِّ وَيَمْتَنِعُ عَلَى مَا فِي خَالِدٍ عَلَى التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ فَقَالَ أَوْ مُخْرَجًا فِي الْفِطْرِ غَيْرَ التَّمْرِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) وَهُوَ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ أَرَدْنَا بِهِ التَّمْرَ وَالْبُرَّ فَيَكُونُ هَذَا تَفْسِيرًا لِلْمُخْرَجِ فِي الْفِطْرِ مُطْلَقًا بِدُونِ نَظَرٍ لِقَوْلِ الشَّارِحِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُ هَذِهِ كَاللَّحْمِ وَالْقَطَّانِيِّ أَجْزَأَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ قَالَهُ تت وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْمُخْرَجِ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ مَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُهُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُقْتِيتَ مِنْ غَيْرِهَا يُخْرَجُ مِنْهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ التِّسْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِعِدْلِ شِبَعٍ) أَيْ لَا كَيْلًا خِلَافًا لِلْبَاجِيِّ (قَوْلُهُ: مُدِّ هِشَامٍ) هُوَ هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ نَقَلَهُ مُحَشِّي تت وَفِي عب هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ نَقَلَهُ عَنْ الْغِرْيَانِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَفِي شَرْحِ شب هُوَ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمُدُّ هِشَامٍ مُدٌّ وَثُلُثَا مُدٍّ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِهَا) وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِمَحَلِّ الْإِخْرَاجِ فَإِذَا ظَاهَرَ شَخْصٌ بِالْمَدِينَةِ وَكَفَّرَ بِمِصْرَ مَثَلًا بِغَيْرِ بُرٍّ وَكَانَ مَا يَعْدِلُ الْبُرَّ مِمَّا أَخْرَجَ بِمِصْرَ يَزِيدُ عَلَى مَا يَعْدِلُهُ لَوْ أَخْرَجَ بِالْمَدِينَةٍ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ مَحَلَّ الْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَاجِيُّ) مُقَابِلٌ لِاعْتِبَارِ الشِّبَعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: ثَمَنٌ فِيهِ وَفَاءُ الْقِيمَةِ) الْأَوْلَى وَلَا الْقِيمَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ هُنَاكَ قِيمَةً وَثَمَنًا مُخَالِطًا لَهَا فِيهِ وَفَاؤُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى إجْزَاءِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ) وَهِيَ لَا تُجْزِئُ فِيهَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ) أَيْ التَّخْرِيجُ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْمُعْطَى) أَيْ بِاعْتِبَارِ تَحْدِيدِ الْمُعْطَى بِكَوْنِهِ مُدًّا وَثُلُثَيْنِ لَا أَزْيَدَ وَكَوْنِ الْآخِذِينَ سِتِّينَ أَيْ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَإِلَّا فَقَدْرُ الْمُعْطَى مُحَدَّدٌ فِي الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: بِرِيعِهِ) الرِّيعُ هُوَ الزَّائِدُ بَعْدَ طَحْنِهِ أَيْ بِرِيعِ أَصْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute