للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّرْفُ إذَا غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَطَالَ أَيْ وَلَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةُ أَجْسَامٍ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَهُ مِنْ رَجُلٍ بِجَانِبِهِ لَمْ يَفْسُدْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِعِبَارَةٍ، وَطَالَ بِأَنْ قَامَ وَبَعَثَ إلَى دَارِهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ بِجَانِبِهِ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ وَلَا بَعْثٍ كُرِهَ فَقَطْ (ص) أَوْ نَقْدَاهُمَا (ش) أَيْ وَكَذَا يَفْسُدُ الصَّرْفُ إذَا غَابَ نَقْدَاهُمَا مَعًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَوْ قَرُبَ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَظِنَّةُ الطُّولِ بِأَنْ تَسَلَّفَ الدَّنَانِيرَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ جَانِبِهِ، وَتَسَلَّفَ الْآخَرُ الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ جَانِبِهِ.

وَقَوْلُهُ أَوْ نَقْدَاهُمَا هِيَ مَسْأَلَةُ الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَوْ بِدَيْنٍ إلَخْ هِيَ مَسْأَلَةُ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ (ص) أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ (ش) أَيْ وَقَدْ عَقَدَ الصَّرْفَ النَّاشِئَ عَنْ مُوَاعَدَةٍ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ كَاذْهَبْ بِنَا إلَى السُّوقِ بِدَرَاهِمِك فَإِنْ كَانَتْ جِيَادًا أَخَذْتهَا مِنْك كَذَا وَكَذَا بِدِينَارٍ قَالَ فِيهَا وَلَكِنْ يَسِيرُ مَعَهُ عَلَى غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ انْتَهَى وَجَعَلْنَا الْبَاءَ بِمَعْنَى عَنْ مُتَعَلِّقٌ بِفَسَدَ وَفَاعِلُهُ عَقْدُ الصَّرْفِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِحَرُمَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ لَيْسَ هُنَا عَقْدٌ مُعَلَّقٌ وَالْعُقُودُ لَا تُعَلَّقُ انْتَهَى ابْنُ شَاسٍ.

وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَهَاهُنَا أَوْلَى ابْنُ يُونُسَ كَمَا لَوْ قَالَ إنِّي لَمُحْتَاجٌ إلَى دَرَاهِمَ أَصْرِفُهَا وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ بَعْضٌ وَعَلَى مَا أَجَازُوهُ فِي النِّكَاحِ إنِّي أُحِبُّ دَرَاهِمَك وَأَرْغَبُ فِي الصَّرْفِ مِنْك انْتَهَى وَانْظُرْ مَا مَعْنَى التَّعْرِيضِ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَهُ عَقْدًا فَسَدَ الصَّرْفُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ عَقْدًا بَلْ أَنْشَأَ عَقْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الْجَوَازِ (ص) أَوْ بِدَيْنٍ إنْ تَأَجَّلَ وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا (ش) عَطْفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِسَبَبِ دَيْنٍ يَمْتَنِعُ إنْ تَأَجَّلَ وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلظَّرْفِيَّةِ أَيْ وَفَسَدَ الصَّرْفُ الْوَاقِعُ بِدَيْنٍ أَوْ فِي دَيْنٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ ذَهَبٌ وَالْآخَرُ فِضَّةٌ

ــ

[حاشية العدوي]

إلَّا أَنْ يَقْبِضَ بِحَضْرَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ فَيَجُوزُ بَعْدَ ذَهَابِهِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَهُ) أَيْ بِدُونِ طُولٍ أَيْ وَالثَّانِي لَمْ يَسْتَقْرِضْ بِأَنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَامَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مُفَارَقَةُ بَدَنٍ فَإِنْ قُلْت يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا انْتَصَبَ قَائِمًا فَقَطْ قُلْت كَذَلِكَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْجَوَازَ إنْ لَمْ يَنْتَصِبْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْبَعْثِ إلَى الدَّارِ قَامَ أَوْ لَمْ يَقُمْ وَقَوْلُهُ بَعْدُ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ مُقَابِلُ قَامَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مُفَارَقَةُ بَدَنٍ وَتَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ الطُّولَ يُفَسَّرُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَلَا قِيَامَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَا مِنْ رَسُولِهِمَا وَبِالْقِيَامِ مِنْ رَسُولِهِمَا مُدَّةً وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ (قَوْلُهُ كَحَلِّ الصُّرَّةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُضُورَ كَوْنُهُ مُشَاهَدًا فَيُرَادُ بِذَلِكَ حَلُّ الصُّرَّةِ مِنْ الْمُقْرِضِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَلَّ الصُّرَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا يَضُرُّ وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا بِأَنْ اسْتَقْرَضَ إلَخْ وَعِبَارَةُ الْحَطَّابِ فِي التَّهْذِيبِ وَإِنْ اشْتَرَيْت مِنْ الرَّجُلِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فِي مَجْلِسٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضْت أَنْتِ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِك وَاسْتَقْرَضَ هَذَا الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْت الدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ وَاسْتَقْرَضْت أَنْتَ الدِّينَارَ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَا يَبْعَثُ وَرَاءَهُ وَلَا يَقُومُ لِذَلِكَ جَازَ انْتَهَى فَإِذَا عَلِمْت نَصَّهَا فَقَوْلُ شَارِحِنَا لَمْ يَفْسُدْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ آخِرَ الْعِبَارَةِ كُرِهَ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ.

(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ بَعْثٍ) أَيْ إلَى دَارِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا قِيَامٍ بِأَنْ يَقُومَ وَيَذْهَبَ إلَى دَارِهِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ كَحَلِّ الصُّرَّةِ أَيْ صُرَّةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (قَوْلُهُ هِيَ مَسْأَلَةُ الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ) الْحَاصِلُ كَمَا فِي شب أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ مَفْرُوضَةٌ فِي اسْتِقْرَاضِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ فَهِيَ فِي الدُّيُونِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ عَلَى الذِّمَّةِ) أَيْ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ لَا عَلَى مَا فِي الْيَدِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَلْ جَعَلَاهَا نَفْسَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَا أَنْ يَعْقِدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَرَرَ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ سِرْ بِنَا إلَى السُّوقِ بِدَرَاهِمِك فَإِنْ كَانَتْ جِيَادًا تَصَارَفْنَا أَيْ أَوْقَعْنَا عَقْدَ الصَّرْفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُوَافِقُهُ الْآخَرُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَاعَدَةُ بِدُونِ عَقْدٍ، وَالْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ فَقَدْ قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ.

وَقِيلَ بِالْجَوَازِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الْعِدَّةِ بِأَنَّ مُوَاعَدَتَهَا حِفْظٌ لِلْأَنْسَابِ خَوْفَ كَوْنِهَا حَامِلًا (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ) أَيْ عَلَى غَيْرِ عَقْدِ صَرْفٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّرْفِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي السُّوقِ (قَوْلُهُ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِحَرُمَ دَلَالَةً عَلَى الْمُرَادِ لَكِنْ لَا أَدَلِّيَّةَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ مِنْ أَنَّهُ مَتَى كَانَ حَرَامًا كَانَ فَاسِدًا (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْفَسَادُ.

(قَوْلُهُ قَالَ بَعْضٌ) أَرَادَ بِهِ الْبِسَاطِيَّ عِبَارَةُ الْبِسَاطِيِّ بَعْدَ أَنَّ قَرَّرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُوَاعَدَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدٌ مُعَلَّقٌ فَالْمَنْعُ إمَّا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُعَلَّقُ عَلَى مَذْهَبِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ الطُّولَ، وَتَأْخِيرُ الْقَبْضِ انْتَهَى.

فَإِذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْعُقُودُ لَا تُعَلَّقُ أَيْ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ فِي الْمُوَاعَدَةِ الَّتِي هِيَ حَرَامٌ عَقْدٌ مُعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا صِحَّةَ لَهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُوَاعَدَةُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا عَقْدٌ مُعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا لَصَحَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ جَازَ وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ إلَخْ) غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا قُلْنَا بَلْ فُرِّقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَنْعِ هُنَا فِي الْمُوَاعَدَةِ يَجْعَلُهُ مِثْلَ النِّكَاحِ، وَكَمَا تَحْرُمُ الْمُوَاعَدَةُ فِي الْعِدَّةِ تَحْرُمُ الْمُوَاعَدَةُ فِي الصَّرْفِ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>