للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ امْتِنَاعَهُ مِنْ دَفْعِهَا لِعُذْرٍ وَأَثْبَتَهُ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ رَبِّهَا أَنْ يَقُولَ لَهُ سُكُوتُك عَنْ أَنَّهَا تَلِفَتْ لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِذَارِك دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهَا ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بِالتَّلَفِ بَعْدَ مَا لَقِيَهُ فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ حَلَفَ حَيْثُ كَانَ مُتَّهَمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

(ص) كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَطُلِبَتْ مِنْهُ فَامْتَنَعَ مِنْ إعْطَائِهَا وَلَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إعْطَائِهَا لِرَبِّهَا ثُمَّ لَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ تَلِفَتْ بَعْدَ أَنْ لَقِيتَنِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا فَقَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ صِفَةٍ أَيْ وَامْتَنَعَ مِنْ الدَّفْعِ بِلَا عُذْرٍ ثَابِتٍ وَهَذَا صَادِقٌ بِامْتِنَاعِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَلِعُذْرٍ مُحْتَمَلٍ وَدَلَّ مَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ امْتِنَاعُهُ أَوَّلًا لِعُذْرٍ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (ص) لَا إنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ (ش) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا قَالَ لَا أَدْرِيَ مَتَى تَلِفَتْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ وَأَيْضًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَمَانَةِ.

(ص) وَبِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَفَعَ لِشَخْصٍ وَدِيعَةً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ طَلَبَهَا مِنْهُ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّهَا ضَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي ضَيَاعِهَا إذْ لَا عُذْرَ لَهُ لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ إذَا ادَّعَى رَدَّهَا لِرَبِّهَا أَمَّا إنْ كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ فِي رَدِّهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالرَّهْنُ كَالْوَدِيعَةِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا طَلَبَ رَبُّهُ فِكَاكَهُ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ دَفْعِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ فَتَلِفَ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.

(ص) لَا إنْ قَالَ ضَاعَتْ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ وَدِيعَةً مِنْ رَبِّهَا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ طَلَبَهَا مِنْهُ فَقَالَ ضَاعَتْ مِنْ سِنِينَ وَأَوْلَى مِنْ أَقَلَّ وَلَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَرْجُوَهَا وَأَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ وَوَاوُ وَكُنْت أَرْجُوهَا وَاوُ الْحَالِ أَوْ وَاوُ الْعِطْفِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَاعَتْ وَقَوْلُهُ (ص) كَالْقِرَاضِ (ش) تَشْبِيهٌ فِيمَا قَبْلَهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ يَعْنِي أَنَّ مِنْ بِيَدِهِ مَالُ الْقِرَاضِ إذَا نَضَّ ثُمَّ طَلَبَهُ رَبُّهُ فَقَالَ لَهُ ضَاعَ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِالْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِقَوْلِهِ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي وَكُلٌّ صَحِيحٌ

(ص) وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ شَخْصٍ وَدِيعَةً أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ عَامَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَخَانَهُ فِيهِ أَوْ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخَائِنَ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ أَوْ بَاعَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مِمَّا عَامَلَهُ فِيهِ نَظِيرَ مَا ظَلَمَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ أَنْ يَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يَقْصُرُ عَلَى سَبَبِهِ كَمَا سُنَّ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْقُدُوم لِكُلِّ حَاجٍّ مِنْ الذُّكُورِ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ قَدْ زَالَ وَهُوَ إغَاظَةُ الْكُفَّارِ حَيْثُ نَسَبُوا لِأَصْحَابِ الرَّسُولِ الضَّعْفَ بِسَبَبِ حُمَّى الْمَدِينَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ أَمْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَمْ لَا قَوْلُهُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ مُتَعَلِّقَانِ بِأَخَذَ وَمَعْنَى الْحَرْفَيْنِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّبْعِيضِ وَالثَّانِي لِلتَّعَدِّيَةِ وَبِمِثْلِهَا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَأَيْضًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَمَانَةِ) تَعْلِيلٌ ثَانٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ لِحَمْلِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ) أَيْ الْقَاضِي أَيْ الَّذِي لَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ قَوْلُهُ وَبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادَرٍ لَفْظٌ يَأْتِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلُهُ وَضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَالْحَاكِمُ بِالنَّصْبِ أَوْ بِالنُّونِ أَوَّلُهُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ الْحَاكِمُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَأْتِي إذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَأْتِي مِنْ بَلَدٍ (قَوْلُهُ أَمَّا إنْ كَانَ أَخَذَهَا) لَا يُقَالُ يَضْمَنُ حَيْثُ مَنَعَهَا لِخُصُوصِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُشْهِدَ غَيْرُ الْحَاكِمِ لِأَنَّا نَقُولُ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أَخَافُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِخُصُومِهِ أَوْ تَفْسِيقِ الْبَيِّنَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْبِسَاطِيُّ (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ كَالْوَدِيعَةِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخَّرَ قَبْضَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ وَتَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ وَكُنْت أَرْجُوهَا) اُنْظُرْ هَلْ يُقَيِّدُ بِقَوْلِهِ وَكُنْت أَرْجُوهَا أَوْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فِيهَا الْإِعْلَامُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا سَكَتَ لِأَنِّي كُنْت أَرْجُوَهَا قُبِلَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) إلَّا أَنَّ جَرَيَانَ قَوْلِهِ وَبِقَوْلِهِ تَلِفَتْ إلَخْ فِيهِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا نَضَّ الْمَالُ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِنَضُوضِهِ لِطَلَبِ رَبِّهِ فَقَالَ لَهُ ضَاعَ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهُ فَلَا ضَمَانَ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَامْتِنَاعُهُ مِنْ قَسْمِ الْمَالِ أَوْ مِنْ إحْضَارِهِ لِلْقَسْمِ وَقَوْلُهُ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانًا

(قَوْلُهُ إذَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ) إذَا «سُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَمَّنْ أَرَادَ وَطْءَ امْرَأَةٍ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا رَجُلٌ قَدْ كَانَ هُوَ اُؤْتُمِنَ عَلَى امْرَأَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ السَّائِلِ فَخَانَهُ فِيهَا وَوَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ أَدِّ الْأَمَانَةَ» ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّهَادَاتِ بِقَيْدِهَا هُنَاكَ إنْ يَكُنْ غَيْرُ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] إلَخْ وَأَمَّا خَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَى لَا تَخُنْ أَيْ لَا تَأْخُذْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّك فَتَكُونُ خَائِنًا وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ فَلَيْسَ بِخَائِنٍ قَالَ بَعْضٌ مِنْ حَشْيِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَالَ أَحْمَدُ إنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ لَهُ طَرِيقًا وَيَقْدَحُ فِيهِ ذِكْرُ السُّيُوطِيّ لَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى الْحَرْفَيْنِ مُخْتَلِفٌ) لَا يَحْتَاجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>