السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَالثَّانِي عَلَى الْقَرِيبِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ وَقَوْلِهِ لِغَيْرِ أَهْلٍ أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا
وَأَمَّا فِي إقَامَتِهِ فِي الْبَلَدِ فَهَلْ لَهُ النَّفَقَةُ أَمْ لَا بِمَنْزِلَةِ بَلَدٍ بَنَى فِيهَا بِزَوْجَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ (ص) لِغَيْرِ أَهْلٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ (ش) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَافَرَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَامِلَ يُنْفِقُ إذَا سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ لَا إنْ سَافَرَ لِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ وَلَا كِسْوَةَ لَا فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي إيَابِهِ لِأَنَّ مَا لِلَّهِ لَا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا لَا الْأَقَارِبُ وَمِثْلُ سَفَرِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ السَّفَرُ لِسَائِرِ الْقُرَبِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ لِقُرْبَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهُ حَتَّى فِي رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا قُرْبَةٌ بِخِلَافِ مَنْ سَافَرَ لِأَهْلِهِ فَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ بِهَا أَهْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَفَرَ الْقُرْبَةِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا كَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ عِنْدِ الْأَهْلِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ لِبَلَدٍ وَمَرَّ بِمَكَّةَ لِكَوْنِهَا بِطَرِيقِهِ وَقَصْدُهُ الْحَجَّ أَيْضًا فَإِنَّ لَهُ النَّفَقَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ النُّسُكِ وَتَوَجُّهِهِ لِبَلَدِ التِّجَارَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْرُوفِ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَنْفَقَ أَيْ أَنْفَقَ إنْفَاقًا مُلْتَبِسًا بِالْمَعْرُوفِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَالِ حَالٌ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْإِنْفَاقِ فِي الْمَالِ بِمَعْنَى أَنَّ نَفَقَةَ الْعَامِلِ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ النَّفَقَةَ الْجَارِيَةَ بِهَا الْعَادَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يُنَاسِبُ وَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَكُونُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ لَا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلَوْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْقِرَاضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَكَذَا إنْ زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.
(ص) وَاسْتَخْدَمَ إنْ تَأَهَّلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مَنْ يَخْدُمُهُ فِي حَالِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ وَقَالَ بَعْضٌ إنْ تَأَهَّلَ لِلْخِدْمَةِ مَعَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَهِيَ إنْ سَافَرَ وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ وَاحْتَمَلَ الْمَالُ وَأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ لِلْمَالِ (ص) لَا دَوَاءٍ (ش) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَأَنْفَقَ فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا لَا فِي دَوَاءٍ وَالرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ وَلَهُ الْإِنْفَاقُ لَا دَوَاءٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ لَا عَلَى أَنَّهَا عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا لَهُ دَوَاءٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَالْجُمْلَةُ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَهِيَ جَوَابُ سُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَيْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ بِشَرْطِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ السُّؤَالَ عَنْ الدَّوَاءِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا الْعَاطِفَةَ غَيْرُ الْعَامِلَةِ إذْ الْأُولَى تَقْتَضِي مُشَارَكَةَ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي إعْرَابِهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ مِنْ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْحَمَّامِ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ النَّفَقَةِ.
(ص) وَاكْتَسَى إنْ بَعُدَ (ش) يَعْنِي أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ يَكْتَسِي إنْ بَعُدَ سَفَرُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ الْبُعْدِ طُولُ الزَّمَنِ فَيُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ فَلَا يَكْتَسِي فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ. قَوْلُهُ إنْ بَعُدَ أَيْ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْأَعَمِّ
ــ
[حاشية العدوي]
دِينَارًا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ أَيْ فَيُنْفَقُ فِيمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْخَمْسِينَ أَيْ لَا فِي أَقَلَّ، وَقَوْلُهُ وَجَمَعَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يُرْجِعُ الْأَمْرَ إلَى الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرِّيَّةَ كَالزَّوْجَةِ وَالظَّاهِرُ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا تَعُودُ لَهُ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ لَا لِلزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ) أَيْ دَوَامَ التَّزْوِيجِ كَالِابْتِدَاءِ أَيْ فَيُنْفِقُ
وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ أَيْ فَلَا يُنْفِقُ كَذَا مُفَادُ عب أَيْ دَوَامُهُ لِتَزْوِيجِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ كَابْتِدَائِهِ لَهُ وَقَدْ أَنْفَقَ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِانْتِهَاءِ، وَقَوْلُهُ أَمْ لَا أَيْ لَيْسَ دَوَامُهُ لِتَزْوِيجِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ كَابْتِدَائِهِ أَيْ فَلَا يُنْفِقُ وَفِي شَرْحِ شب مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ بِنَاءً رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَمْ لَا أَيْ دَوَامُهُ لِلتَّزْوِيجِ كَابْتِدَاءِ التَّزْوِيجِ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ أَيْ فَلَا يُنْفِقُ، وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ أَيْ فَيُنْفِقُ فَفِي الْعِبَارَةِ عَلَيْهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ فَعَلَى كَلَامِ عب يَكُونُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِنْفَاقَ وَفَهِمَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ دَوَامَ السَّفَرِ كَابْتِدَائِهِ أَيْ فَيُنْفِقُ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ أَيْ دَوَامُ السَّفَرِ لَيْسَ كَابْتِدَائِهِ فَلَا يُنْفِقُ وَهُوَ مَعْنًى آخَرُ لِلْعِبَارَةِ عَلَى فَهْمِ عب غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الْفَهْمَانِ فَهْمُ عب وَفَهْمُ شب وَمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَالْأَقْرَبُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شب إذْ لَوْ كَانَ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا لَقَالَ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَالْحَاصِلُ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَلَى فَهْمِ شب يَكُونُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِنْفَاقَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ شَارِحُنَا فِي ك مِنْ التَّقْرِيرِ حَيْثُ قَالَ وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ فَلَوْ سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ يُنْفِقُ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِغَيْرِ أَهْلٍ) فَلَوْ سَافَرَ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَقَطَ الْإِنْفَاقُ قَصَدَ الْمَالَ أَمْ لَا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً (قَوْلُهُ لِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ إلَّا الْأَهْلَ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ فِي الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ لَا الْأَقَارِبُ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ صِلَةَ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ) أَيْ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَنْفَقَ) أَيْ مُرْتَبِطٌ بِهِ مَعْنًى فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَيْ إنْفَاقًا مُلْتَبِسًا بِالْمَعْرُوفِ.
(قَوْلُهُ مَنْ يَخْدُمُهُ فِي حَالِ سَفَرِهِ) أَيْ لَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَمَلِ نَفْسِهِ فِي الْقِرَاضِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِخْدَامِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ) تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَحْمَدَ وَرَدَّهُ عج وَتَبِعَهُ عب بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَائِلًا وَأَمَّا عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ وَكَوْنُهُ لِغَيْرِ حَجٍّ وَغَزْوٍ وَقُرْبَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ خِلَافًا لَهُ أَيْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ.
(قَوْلُهُ فَيُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ) أَيْ فَيُرَادُ اللَّازِمُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ إنْ بَعُدَ كِنَايَةً مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ طُولُ الزَّمَنِ أَيْ بِحَيْثُ يُمْتَهَنُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْأَعَمِّ) أَيْ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْأَخَصِّ أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute