مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ لِفَصْلِهِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.
وَالْمَعْنَى أَحْمَدُ اللَّهَ حَمْدًا يَفِي بِمَا تَزَايَدَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَيَأْتِي عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ لَا تُحْصَى لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ آحَادَ هَذَا الْحَمْدِ لَا تُحْصَى إذْ مَا لَا يَتَنَاهَى لَا يَفِي بِهِ إلَّا مِثْلُهُ وَفِي قَوْلِنَا يَفِي بِهِ مُسَامَحَةً لِإِيهَامِهِ الِانْقِضَاءَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَدَمُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَمْدًا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَجَاءَ بِيُوَافِي بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ بِمَا فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْمُغَالَبَةِ وَمَا يُغَالَبُ بِهِ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَقْوَى مَا يُمْكِنُ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} [البقرة: ٩] فَالنِّعَمُ لِتَزَايُدِهَا كَأَنَّهَا أَبَدًا تُغَالِبُ الْحَمْدَ وَالْحَمْدُ الَّذِي يُغَالِبُهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْئًا مِنْهَا اهـ.
وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ جَمْعَ نِعْمَةٍ وَالنِّعْمَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ إيصَالُ الْمُنْعَمِ بِهِ إلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ وَعَلَى الشَّيْءِ الْمُنْعَمِ بِهِ نَبَّهَ الْحَطَّابُ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ بِمَعْنَى مُنَعَّمٍ بِهِ عَلَى جَوَازِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ
ــ
[حاشية العدوي]
بَيَانٌ لِمَا أَيْ يُوَافِي النِّعَمَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الزِّيَادَةُ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى حَدٍّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِمَا قِيلَ هُنَا (قَوْلُهُ لِفَصْلِهِ عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا بِالْمُبْتَدَأِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلْحَمْدِ جِهَتَيْنِ جِهَةً ابْتِدَائِيَّةً وَبِهَا يُعْمَلُ فِي الْخَبَرِ وَجِهَةً مَصْدَرِيَّةً وَبِهَا يُعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَلَوْ عَمِلَ النَّصْبُ فِيمَا بَعْدَ الْخَبَرِ لَكَانَ عَامِلًا بِهَا وَلَزِمَ فَصْلُ مَعْمُولِهِ أَيْ، وَهُوَ حَمْدًا بِاعْتِبَارِ جِهَةٍ وَهِيَ جِهَةُ الْمَصْدَرِيَّةِ بِمَعْمُولِهِ أَيْ، وَهُوَ الْخَبَرُ بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الْخَبَرِ وَهِيَ الِابْتِدَائِيَّةُ تَنْزِيلًا لِتَغَايُرِ الْجِهَتَيْنِ مَنْزِلَةَ تَغَايُرِ الذَّاتَيْنِ فَتَأَمَّلْ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الَّذِي يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالْأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعْمُولًا لِلْمَصْدَرِ أَصْلًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَصْلَ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمَصْدَرُ لَا يَضُرُّ مَعَ أَنَّهُ مَعْمُولُهُ مِنْ حَيْثُ عَمَلُ الْجَرِّ فِيهِ بِاعْتِبَارِ جِهَةِ إضَافَتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ جِهَةِ مَصْدَرِيَّتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اخْتِلَافَ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الذَّاتِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ الْفَصْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخَبَرُ ظَرْفًا ضَعُفَ الْفَصْلُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُبْتَدَأَ طَالِبٌ هُنَا لِلْخَبَرِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي طُلِبَ بِهَا حَمْدًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى مَفْعُولُ الْحَمْدِ انْتَهَى ك.
(تَنْبِيهٌ) : مُرَادُهُ بِالْخَبَرِ، وَهُوَ لَفْظَةُ لِلَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ هُوَ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي عَلَيْهَا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَفِي وَمَعْنَى الْإِتْيَانِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَرْدٌ مِنْ النِّعَمِ إلَّا وَفِي مُقَابَلَتِهِ حَمْدٌ فَلَا تَخْرُجُ نِعْمَةٌ عَنْ كَوْنِهَا فِي مُقَابَلَتِهَا حَمْدٌ (قَوْلُهُ لَا تُحْصَى) أَيْ لَا تَتَنَاهَى يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ (قَوْلُهُ آحَادَ هَذَا الْحَمْدِ) فِيهِ أَنَّهُ حَمْدٌ جُزْئِيٌّ صَادِرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ أَفْرَادٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى أَيْ مَا لَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ لَا يَفِي بِهِ إلَّا مِثْلُهُ أَيْ حَمْدٌ لَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النِّعَمَ الْمَحْمُودَ عَلَيْهَا الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ مُتَنَاهٍ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَمْدَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ كَثْرَةِ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ جِدًّا حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا أَوْ أَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّ هَذِهِ النِّعَمَ غَيْرُ الْمَوْجُودَةِ لَمَّا كَانَتْ فِي قُوَّةِ الْمَوْجُودِ لِقُوَّةِ الرَّجَاءِ فِي اللَّهِ لَاحَظَ أَنَّ الْحَمْدَ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَتِهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَمْدًا لَا نِهَايَةَ لَهُ) قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى وَأَصِفُك بِالْجَمِيلِ وَصْفًا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ مُنْقَضٍ وَمُنْعَدِمٌ فَأَيْنَ عَدَمُ النِّهَايَةِ وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ عَدَمُ النِّهَايَةِ تَخْيِيلٌ لَا تَحْقِيقٌ (قَوْلُهُ وَجَاءَ يُوَافِي) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ يُوَافِي فَاعِلُ جَاءَ (قَوْلُهُ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ) ؛ لِأَنَّ يُوَافِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَافَاةِ أَيْ جَاءَ يُوَافِي حَالَ كَوْنِهِ مُرْتَبِطًا بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَيْهِ ارْتِبَاطُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ قُلْت يُلَاحَظُ أَنَّ الْمُرْتَبِطَ الْمَادَّةُ وَالْمُرْتَبِطَ بِهِ الْهَيْئَةُ (قَوْلُهُ لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَفَاءِ وَقَوْلُهُ بِمَا فِي الصِّيغَةِ أَيْ بِسَبَبِ مَا فِي الصِّيغَةِ أَيْ صِيغَةِ يُوَافِي مِنْ الْمُبَالَغَةِ وَقَوْلُهُ وَمَا يُغَالَبُ بِهِ أَيْ فِيهِ أَيْ وَمَا يَقَعُ الْمُغَالَبَةُ فِيهِ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَقْوَى مَا يُمْكِنُ مَثَلًا تَقْصِدُ أَنْ تُغَالِبَ إنْسَانًا فِي الْكَرَمِ فَإِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ بِكَرَمٍ عَلَى أَقْوَى مَا يُمْكِنُك وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَعْنَى ذَكَرَهُ فِي عَقِبِ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ (قَوْلُهُ لِتَزَايُدِهَا) أَيْ لِأَجْلِ تَزَايُدِهَا (قَوْلُهُ تُغَالِبُ الْحَمْدَ) أَيْ تُرِيدُ أَنْ تُغَالِبَ الْحَمْدَ أَيْ تَفُوقَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُوجَدَ مِنْ النِّعَمِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْحَمْدِ (قَوْلُهُ وَالْحَمْدُ الَّذِي يُغَالِبُهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْحَمْدُ لِقُوَّتِهِ وَمُغَالَبَتِهِ لَهَا هُوَ أَنْ لَا يُوجَدَ نِعْمَةٌ إلَّا وَيَكُونُ مُقَابِلُهَا الْحَمْدَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ وَأَنَّ الْحَمْدَ يَزِيدُ عَلَى النِّعَمِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ إلَخْ) هُوَ مَعْنَى مُغَالَبَتِهِ لَهَا (قَوْلُهُ تُطْلَقُ عَلَى الْإِنْعَامِ) رَأَيْت لِبَعْضٍ أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْإِنْعَامِ اصْطِلَاحٌ فَإِذَنْ فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُنْعَمِ بِهِ وَمَجَازٌ فِي الْإِنْعَامِ، وَإِنْ صَارَ اصْطِلَاحًا فِيهِ (قَوْلُهُ إيصَالُ الْمُنْعَمِ بِهِ) الْإِيصَالُ يَرْجِعُ لِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمُنْعَمِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا) ، وَأَمَّا غَيْرُ مَا هُنَا فَهُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْعَبْدِ أَيْ صُورَةٌ وَإِلَّا فَالْأَفْعَالُ كُلُّهَا لِلَّهِ (قَوْلُهُ وَهِيَ إلَخْ) هِيَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ كُلُّ خَبَرٍ وَقَوْلُهُ حَقِيقَةً حَالٌ مِنْ هِيَ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي وَالتَّقْدِيرُ، وَهِيَ فِي حَالِ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الثَّانِي كُلُّ مُلَائِمٍ، وَأَمَّا فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مَجَازٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَهِيَ فِي حَالَةِ كَوْنِهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي حَالَةَ كَوْنِ الْمَعْنَى الثَّانِي مَعْنًى حَقِيقِيًّا أَيْ مَا حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ نِعْمَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كُلُّ مُلَائِمٍ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجَازِيًّا فَهُوَ مُطْلَقٌ مُلَائِمٌ، وَإِنْ لَمْ تُحْمَدْ عَاقِبَتُهُ وَالْمَجَازِيُّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute