للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْمَعْنَى الثَّانِي حَقِيقَةُ كُلِّ مَا لَمْ تُحْمَدْ عَاقِبَتُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ وَإِنَّمَا مَلَاذُهُ اسْتِدْرَاجٌ أَيْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا اسْتِدْرَاجٌ لَهُ مِنْ اللَّهِ حَيْثُ يَلَذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إلَى الْمَوْتِ فَهِيَ نِعْمَةٌ يَزْدَادُ بِهَا عَذَابُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا نِعْمَةٌ حَقِيقَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ وَالنِّعَمُ الْوَاصِلَةُ إلَيْهِ نِقَمٌ فِي صُورَةِ نِعَمٍ فَسَمَّاهَا الْأَشَاعِرَةُ نِقَمًا نَظَرًا إلَى حَقِيقَتِهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّتْهَا نِعَمًا نَظَرًا إلَى صُورَتِهَا وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُطَوَّلِ إنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمَكْنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ انْتَهَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَعَلَى النِّعْمَةِ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ بِوَاسِطَةٍ أَنَّهُ أَثَرُ الْإِنْعَامِ وَالنَّعْمَةُ بِالْفَتْحِ التَّنَعُّمُ وَبِالضَّمِّ السُّرُورُ وَبِالْكَسْرِ الْمِنَّةُ.

(ص) وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ (ش) أَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا خَلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ مُلَائِمٍ) كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَيُّ شَيْءٍ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ وَقَضِيَّتُهُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُلَائِمًا لِلنَّفْسِ أَيْ مُنَاسِبًا لَهَا يَلْزَمُهُ أَنْ تَمِيلَ إلَيْهِ فَلَا يُنَافِي قِرَاءَتَهُ بِكَسْرِ الْيَاءِ.

(تَنْبِيهٌ) : هَذَا ضَابِطٌ لَا تَعْرِيفٌ أَوْ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ حَقِيقَةُ كُلٍّ (قَوْلُهُ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ) أَيْ تُحَبُّ نِهَايَتُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْحَمْدِ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَالْمُرَادُ مَا يَعْقُبُهُ أَيْ مَا يَأْتِي وَرَاءَهُ مِنْ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالنِّعَمِ السَّرْمَدِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَاقِبَةُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ سَبَقَهَا عَذَابٌ فَإِذَنْ كُلُّ مَا وَصَلَ لِلْمُؤْمِنِ فَهُوَ نِعْمَةٌ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ عَذَابٌ فِي جَهَنَّمَ وَلَا يُقَالُ لَهَا اسْتِدْرَاجٌ وَقَوْلُهُ وَمِنْ، ثُمَّ أَيْ وَمِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كُلُّ مُلَائِمٍ إلَخْ قَالُوا لَيْسَ الْقَصْدُ التَّبَرِّي وَإِنَّمَا كَانَ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ؛ لِأَنَّ مَا يَعْقُبُهُ نِقْمَةٌ أَيْ مَا يَأْتِي بَعْدَ إنَّمَا هُوَ الْعَذَابُ الْمُخَلَّدُ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الزِّنَا نِعْمَةٌ بِمُقْتَضَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا (قُلْت) يُرَادُ بِالْمُلَائِمِ مُلَائِمٌ لَمْ يَقَعْ النَّهْيُ عَنْ ذَاتِهِ شَرْعًا فَخَرَجَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ مَثَلًا (قَوْلُهُ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ) أَيْ لَا إنْعَامَ لِلَّهِ (قَوْلُهُ عَلَى كَافِرٍ) أَيْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَالْقَصْدُ الْعُمُومُ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَيْ مِنْ حَيْثُ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْكَافِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَصَلَ مِنْ النِّعَمِ إنْ كَانَ سَبَبًا فِي الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ اسْتِدْرَاجٌ، وَإِنْ مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِيهَا فَهُوَ إنْ كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ اسْتِدْرَاجًا، وَأَمَّا مِنْ كَافِرٍ فَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي الْمَعْصِيَةِ ظَاهِرًا فَهُوَ سَبَبٌ فِيهَا بَاطِنًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ فِي بَقَائِهِ الْمُوجِبِ لِاسْتِمْرَارِ كُفْرِهِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مَلَاذُهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخِفَّةِ اللَّامِ وَشَدِّ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مَلَذَّةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهِيَ مَوْضِعُ اللَّذَّةِ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ اسْتِدْرَاجٌ) أَيْ ذُو اسْتِدْرَاجٍ وَالِاسْتِدْرَاجُ تَجْدِيدُ اللَّهِ النِّعَمَ عَلَى الْعَبْدِ مَعَ اسْتِرْسَالِهِ عَلَى الْمَعَاصِي (قَوْلُهُ حَيْثُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُلِذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ أَيْ اسْتِمْرَارِهِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ يُلِذُّهُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِيمَانِ أَنَّهُ يُقَالُ لِذَلِكَ نِعْمَةٌ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ عَذَابٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الظَّاهِرُ هُوَ الْمُوجِبُ لِتَفْسِيرِنَا الْعَاقِبَةَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ فُسِّرَتْ الْعَاقِبَةُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ مَا وَصَلَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ النِّعَمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْعِقَابُ لَا يُقَالُ لَهُ نِعْمَةٌ بِالْعَيْنِ بَلْ يُقَالُ لَهُ نِقْمَةٌ بِالْقَافِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفَادَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَاقِبَةِ مَا يَأْتِي بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَبَّبًا عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْت مَا يَرِدُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَهِيَ نِعْمَةٌ) بِالْعَيْنِ أَيْ صُورَةٌ يَزْدَادُ بِهَا عَذَابُهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَجَدُّدُهَا وَقْتًا فَوَقْتًا إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيَاةِ، ثُمَّ إنَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَذَابَ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْكُفْرِ وَتَرْكِهِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا عَلَى تَنَاوُلِهِ الْمُبَاحَاتِ (قَوْلُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا نِعْمَةٌ حَقِيقَةً إلَخْ) إذَنْ تَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِطَلَبِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُوَافِقٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَصَوَّبَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} [البقرة: ٤٠] إلَخْ (قَوْلُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ) قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ (قَوْلُهُ وَالنِّعَمُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي جَعْلِ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ إذْ لَا خِلَافَ فِي وُصُولِ نِعَمٍ إلَيْهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهَا إذَا حَصَلَ عَقِبَهَا ذَلِكَ الضَّرَرُ الْأَبَدِيُّ هَلْ تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ نِعْمَةً أَمْ لَا فَهُوَ نِزَاعٌ فِي مُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْبُعْدِ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهَا نِعْمَةٌ حَقِيقَةً لَا صُورَةً فَقَطْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ نِعْمَةً حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ الْخُلْفُ لَفْظِيًّا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هُوَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ أَوْ لَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَزِلَةُ إذْ مَا مِنْ عَذَابٍ إلَّا وَفِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُقَالُ أَنَّهُ فِي نِعْمَةٍ وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ نِقَمٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَبَبٌ فِي بَقَائِهِ، وَهُوَ كَافِرٌ (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَتِهَا) أَيْ حَالَتِهَا الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ كَوْنِهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَيَاةِ مَعَ الْكُفْرِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى) ، وَهُوَ كَوْنُ نِعْمَةٌ بِمَعْنَى إنْعَامٍ (قَوْلُهُ أَمْكَنَ) أَيْ أَثْبَتَ (قَوْلُهُ أَنَّهُ أَثَرٌ) أَيْ بِوَاسِطَةٍ هِيَ أَنَّهُ أَثَرُ الْإِنْعَامِ (قَوْلُهُ التَّنَعُّمُ) أَيْ التَّرَفُّهُ تَقُولُ تَنَعَّمَ زَيْدٌ إذَا صَارَ ذَا رَفَاهِيَةٍ كَأَنْ يَأْكُلَ الْمَآكِلَ النَّفِيسَةَ وَيَشْرَبَ الْمَشَارِبَ النَّفِيسَةَ وَيَلْبَسَ الْمُلَابِسَ النَّفِيسَةَ الرَّقِيقَةَ اللَّيِّنَةَ (قَوْلُهُ وَبِالضَّمِّ السُّرُورُ) هُوَ الْفَرَحُ الَّذِي يَقُومُ بِالْقَلْبِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوَجْهِ وَمِثْلُهُ الْحُزْنُ وَالْغَمُّ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ (قَوْلُهُ الْمِنَّةُ) أَيْ النِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ لَا بِمَعْنَى الْمَنِّ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ إلَّا مِنْ اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالشَّيْخِ وَالْوَالِدِ

(قَوْلُهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا) أَيْ أَعْطَانَا (قَوْلُهُ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالشُّكْرِ هُنَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ وَالشُّكْرُ لَهُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةً مَعْنًى أَيْ وَأَشْكُرُهُ أَيْ وَأُنْشِئُ الشُّكْرَ لَهُ أَيْ الثَّنَاءَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ عَلِيِّ الصِّفَاتِ (قَوْلُهُ بِمَا خَلَعَهُ) أَيْ بِسَبَبِ مَا خَلَعَهُ عَلَيْهِ

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْخِلْعَةُ مَا يُعْطِيهَا الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ مِنْ ثِيَابٍ مِنْحَةً انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>