للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ وَأَعْطَاهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ذُكُورَةٍ وَسَلَامَةِ أَعْضَاءٍ وَصِحَّةِ بَدَنٍ وَنَحْوِهِ وَعَلَى مَا أَعْطَاهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَجَنَّبَهُ ضِدَّهَا الَّتِي يُلَامُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَتَوَابِعِهِ إلَى أَنْ وَصَّلَهُ دَرَجَاتِ الْعُلَمَاءِ وَنَاهِيَك بِذَلِكَ كَمَالُ إحْسَانٍ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِالْفَضْلِ وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِالْكَرَمِ فَالْفَضْلُ كَمَالُ الذَّاتِ وَالْكَرَمُ كَمَالُ الصِّفَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ قَصْدَ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْحَمْدِ إرْدَافُهُ بِجُمْلَتِي (ص) لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ (ش) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَأَنْ أَشَرْت فِي حَمْدِي إلَى أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِي أَنْ أَعُدَّ آحَادَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ بَلْ وَلَا أَنْوَاعَهُ وَكَيْفَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجُمْلَةِ يُمْكِنُ عَدُّ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ

ــ

[حاشية العدوي]

فَإِذَنْ شَبَّهَ الْكَمَالَ الْبَشَرِيَّ بِخِلْعَةٍ بِجَامِعِ الرَّغْبَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الْخَلْعِ تَخْيِيلٌ (قَوْلُهُ الْبَشَرِيِّ) أَيْ الْمَنْسُوبِ لِلْبَشَرِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لَائِقًا بِهِمْ وَقَوْلُهُ مِنْ الْكَمَالِ بَيَانٌ لِمَا مَشُوبٌ بِتَبْعِيضٍ أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ (قَوْلُهُ وَأَعْطَاهُ) عَطْفٌ عَلَى خَلَعَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ مَا أَعْطَاهُ آتِيًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ ذُكُورَةٍ) أَيْ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِسَبَبِ جَعْلِهِ ذَكَرًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ أُنْثَى وَحِينَئِذٍ فَيُلَاحَظُ الْمَخْلُوعُ عَلَيْهِ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ وَصْفِ الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) كَصِحَّةِ السَّمْعِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مَا أَعْطَاهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِمَا خَلَعَهُ وَعَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِسَبَبِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ (قَوْلُهُ الَّتِي يُلَامُ عَلَيْهَا) الْأَفْضَلُ الَّذِي يُلَامُ عَلَيْهِ وَالشَّارِحُ لَاحَظَ الْمَعْنَى، وَهُوَ كَوْنُ الضِّدِّ صِفَاتٌ (قَوْلُهُ وَتَوَابِعِهِ) أَيْ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَالطَّاعَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَايَةُ تُفِيدُ تَقْدِيرَ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ فَتُفِيدُ تَقْدِيرَهُمَا مَعًا (قَوْلُهُ وَنَاهِيَك إلَخْ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ وَيَكْفِيك ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ كَمَالَ إحْسَانٍ وَالْمُشَارُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرْمِ أَيْ إحْسَانًا كَامِلًا (قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِالْفَضْلِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَضْلِ مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَالْكَرَمِ مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ وَيَصِحُّ الْعَكْسُ كَمَا فِي ك وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْمُصَنِّفِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى الَّذِي أَوْلَانَا إيَّاهُ وَمِنْ بَيَانٍ لِمَا وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَيَصِحُّ جَعْلُ مَا مَصْدَرِيَّةً وَالْفَضْلُ وَالْكَرَمُ بَاقِيَانِ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِمَا وَالتَّقْدِيرُ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ كَذَا وَكَذَا وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ.

(قَوْلُهُ فَالْفَضْلُ كَمَالُ الذَّاتِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ الذَّاتِيَّةَ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَقُومَ بِكُلِّ ذَاتٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ صِحَّةَ الْبَدَنِ وَصِحَّةَ السَّمْعِ مَثَلًا مِنْ الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ (قَوْلُهُ قَصْدَ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَصْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ نَفْسُ الْقَصْدِ وَالْجَوَابُ أَنْ يُؤَوَّلَ قَصْدٌ بِمَعْنَى مَقْصُودٍ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَمْدِ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ أَيْ قَصَدَهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ هُوَ كَمَا أَثْنَى إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَضَمِيرِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ صِفَةٌ لِثَنَاءً أَيْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ مِثْلَ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الثَّنَاءِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى اللَّهِ فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ خَبَرُهُ وَالْكَافُ فِيهِ إمَّا زَائِدَةٌ وَمَا فِيهَا إمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ الَّذِي أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اللَّهُ مُثْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلثَّنَاءِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَمَا أَيْضًا أَيْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُ الثَّنَاءِ الَّذِي أَثْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مِثْلُ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا تَفْصِيلِيًّا غَيْرَ مُتَنَاهٍ وَمَعْنَى النَّفْسِ ذَاتُ الشَّيْءِ مُطْلَقًا عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ وَالصِّحَاحِ فَلَا يَكُونُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦] مُحْتَاجًا إلَى اعْتِبَارِ الْمُشَاكَلَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] وَاعْتِبَارُ الْمُشَاكَلَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا مُحْتَاجٍ إلَيْهِ أَفَادَهُ الشَّنَوَانِيُّ عَلَى عَمِيرَةَ.

(قَوْلُهُ إلَى أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ) أَيْ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ حَمْدًا يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيْ فَإِنَّ الْحَمْدَ كَائِنٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَدْ أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ وَالْأَصْلُ، وَإِنْ أَشَرْت فِي حَمْدِي إلَى أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي طَاقَتِي، وَأَمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَلَا وَنُكْتَةُ الْإِظْهَارِ كَمَالُ الْعِنَايَةِ بِذَلِكَ الْحَمْدِ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنْ أَعُدَّ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِحْصَاءَ مَعْنَاهُ الْعَدُّ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى سَلْبِ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ السَّلْبِ فَاللَّفْظُ لَا يُطَابِقُ الْمُرَادَ بَلْ يُضَادُّهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ آحَادُ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ لَا يُمْكِنُ عَدُّهَا لِكَوْنِهَا وَاقِعَةً فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ وَهِيَ لَا تُعَدُّ أَيْ لَا يُمْكِنُ عَدُّهَا بِتَمَامِهَا بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨] (قَوْلُهُ بَلْ وَلَا أَنْوَاعِهِ) أَيْ وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِي أَنْ أَعُدَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنْ أَنْوَاعِ الثَّنَاءِ لِكَوْنِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ لَا تُحْصَى فَأَنْوَاعُ الثَّنَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي مُقَابَلَتِهَا لَا تُحْصَى وَخُلَاصَتُهُ أَنْ يُرَادَ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ النِّعَمُ الْكُلِّيَّةُ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكُلِّيَّةُ نِعْمَةِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالشَّمِّ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَكُلِّيَّةُ نِعْمَةِ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ جُزْئِيَّاتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَوْعِيَّةَ الْحَمْدِ بِنَوْعِيَّةِ النِّعْمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْحَمْدُ فَالْحَمْدُ الْوَاقِعُ عَلَى نِعْمَةِ الْبَصَرِ عَلَى الْإِجْمَالِ نَوْعٌ مِنْ الْحَمْدِ وَالْوَاقِعُ فِي مُقَابَلَةِ إدْرَاكِ زَيْدٍ مَثَلًا فَرْدٌ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ.

(قَوْلُهُ وَكَيْفَ) دَاخِلٌ عَلَى يُمْكِنُ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَالتَّقْدِيرُ وَذَلِكَ الْحَمْدُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجُمْلَةِ كَيْفَ يُمْكِنُ عَدُّ مَا لَا نِهَايَةَ لِأَنْوَاعِهِ فَقَوْلُهُ أَنْوَاعًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى كَيْفَ يُمْكِنُ عَدُّ أَنْوَاعِهِ لَا هُوَ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ أَوْ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ عَمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ عَدُّ أَيْ كَيْفَ يُمْكِنُ عَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>