للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْوَاعًا فَضْلًا عَنْ آحَادِ بَلْ وَلَا فِي قُدْرَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَا يَعْلَمُ آلَاءَهُ إلَّا هُوَ فَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْمَحَامِدِ وَحَمْدُ الْمُؤَلِّفِ الْعَامُّ وَشُكْرُهُ الْخَاصُّ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْبَرَاذِعِيِّ عَلَى مَا خَصَّ وَعَمَّ مِنْ نِعْمَةٍ وَهَذَا تَرَفٌ وَمَا لَلْمُؤَلِّفِ مُحْتَمَلٌ لَهُ وَلِلتَّدَلِّي.

(ص) وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ وَالْإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ (ش) إنَّمَا أَسْنَدَ الْمُؤَلِّفُ الْفِعْلَ مَنْ لَا أُحْصِي إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَمَنْ وَنَسْأَلُهُ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَأَيْضًا هُوَ مَقَامُ اسْتِغْرَاقٍ وَنَفْيٍ لِلْكَثْرَةِ وَالثَّانِي دُعَاءٌ وَالْمَطْلُوبُ فِي الدُّعَاءِ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ كَمَا قَالَ الرَّازِيّ أَنَّ الدُّعَاءَ مَهْمَا كَانَ أَعَمَّ كَانَ إلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبَ أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُعِينَنَا وَالْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَاللُّطْفَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنْوَاعِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ أَيْ كَيْفَ يُمْكِنُ عَدُّ أَنْوَاعِهِ فَقَدْ أَظْهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ وَمَعْنَى لَا نِهَايَةَ لَهُ أَيْ لِأَنْوَاعِهِ وَالْمَعْنَى كَيْفَ يُمْكِنُ عَدُّ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْحَمْدِ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لَهُ أَيْ لِأَنْوَاعِهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْحَقِيقَةِ) أَيْ بِأَنْوَاعِ حَقِيقَةِ الْحَمْدِ فَضْلًا عَنْ آحَادِهِ وَقَوْلُهُ " وَلَا يَعْلَمُ " الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ إذْ لَا يَعْلَمُ أَنْوَاعَ نِعَمِهِ إلَّا هُوَ فَضْلًا عَنْ الْآحَادِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْلَمُ أَنْوَاعَ الْحَمْدِ الْمُقَابِلَةَ لِأَنْوَاعِ النِّعْمَةِ إلَّا هُوَ فَضْلًا عَنْ الْآحَادِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يَنْدَفِعُ مَا يُورَدُ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَمْدِ لَا فِي الْآلَاءِ.

(قَوْلُهُ فَهُوَ الَّذِي إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَدِّ لَا فِي الْإِتْيَانِ فَالتَّفْرِيعُ لَا يُنَاسِبُ فَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْإِحْصَاءُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِحَمْدٍ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِجَنَابِهِ الْأَقْدَسِ مُمَاثِلٍ لِحَمْدِهِ الَّذِي حَمِدَ بِهِ نَفْسَهُ وَحِينَئِذٍ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ فَيُطَابِقُ الْمُرَادُ اللَّفْظَ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَحَامِدِ) بَيَانٌ لِمَا وَالْمَعْنَى فَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَيِّ حَمْدٍ مِنْ الْمَحَامِدِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَحَمْدُ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) انْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا قَدْ يُورَدُ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى النِّعَمِ شُكْرٌ فَقَوْلُهُ وَالشُّكْرُ لَهُ مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى مِثْلِهِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الشُّكْرِ أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْحَمْدِ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِي الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالشُّكْرِ؛ لِأَنَّ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا تَزَايَدَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بِخِلَافِ الشُّكْرِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا وَصَلَ لَهُ مِنْ النِّعَمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الضَّمِيرِ فِي أَوْلَانَا لِلْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ.

(قَوْلُهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْبَرَاذِعِيِّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ نَظِيرُهُ مِنْ حَيْثُ حَمْدُهُ عَلَى الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مِنْ النِّعَمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ تَدَلٍّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَرَاذِعِيُّ تَرَقٍّ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا لَلْمُؤَلِّفِ إلَخْ يُنَافِي ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بِأَنْ يُقَالَ وَحَمْدُ الْمُؤَلِّفِ الْعَامُّ أَيْ ظَاهِرًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخَصَّصَ فِي الْأَوَّلِ وَيُعَمَّمَ فِي الثَّانِي بِأَنْ يُجْعَلَ الضَّمِيرُ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى التَّعْمِيمِ فِي الْأَوَّلِ هُوَ أَنْ يُقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ لِي وَلِغَيْرِي وَالتَّخْصِيصُ فِي الثَّانِي بِأَنْ يُقَالَ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا وَصَلَ لِي وَحْدِي مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لِغَيْرِي كَمَا هُوَ ثَابِتٌ لِنَفْسِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ شُكْرِي إلَّا عَلَى النِّعْمَةِ الْوَاصِلَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلتَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ فِي كَلَامِ الْبَرَاذِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي كَلَامِهِ مَعْنَاهُ النِّعَمُ الْوَاصِلَةُ لِي بِالْخُصُوصِ لَمْ يُشَارِكْنِي أَحَدٌ فِيهَا وَلَوْ نِسْبِيَّةً وَالتَّعْمِيمُ فِيهِ مَعْنَاهُ النِّعَمُ الَّتِي لَمْ تَخْتَصَّ بِي بَلْ يُشَارِكُنِي الْغَيْرُ فِيهَا فَهُوَ نَظِيرُهُ فِي مُطْلَقِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) تَنَازَعَهُ اللُّطْفُ وَالْإِعَانَةُ وَأُعْمِلَ الثَّانِي وَحُذِفَ مَعْمُولُ الْأَوَّلِ أَيْ فِيهِ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْأَحْوَالِ وَجَارُّهُ جَمِيعًا إلَّا أَنَّ الْإِعَانَةَ تَتَعَدَّى بِعَلَى مِثْلُ {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: ٤] وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى، وَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ تَعَدِّيَ الْإِعَانَةِ بِعَلَى إنَّمَا هُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَحْذُوفٌ هُنَا تَقْدِيرُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا إمَّا إلَى الْمُسْتَعَانِ فِيهِ مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَالتَّعَدِّي لَهَا بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ تَأَمَّلْ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْحَمْدِ خَبَرِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ الْعَطْفُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ جُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْشَائِيَّةً فَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةً جُمْلَةً إنْشَائِيَّةً عَلَى جُمْلَةٍ كَذَلِكَ.

(فَإِنْ قُلْت) هَلَّا عَبَّرَ بِالْمَاضِي الْأَبْلَغِ فِي وُقُوعِ السُّؤَالِ (قُلْت) خَشْيَةَ إظْهَارِ صُورَةِ الْيَأْسِ وَقَصْدًا إلَى تَشْدِيدِ الْإِلْحَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا (قَوْلُهُ إنَّمَا يُثْبِتُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لِلْغَيْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ وَإِنَّمَا يَلِيقُ أَنْ يُثْبِتَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ أَيْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَنَسْأَلُهُ إلَخْ لَيْسَ فِيهِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ فَلِذَا أَتَى بِالنُّونِ (قَوْلُهُ مَقَامُ اسْتِغْرَاقٍ) أَيْ لِفَرْدِ الثَّنَاءِ أَيْ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّنَاءَاتِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ نُظِرَ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْعَجْزُ رَجَعَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ نُظِرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهُ قَوْلُهُ وَنَفْيٌ لِلْكَثْرَةِ أَيْ وَنَفْيٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ الْكَثِيرَةِ أَيْ نَفْيٌ لِلْإِطَاقَةِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ الْكَثِيرَةِ أَيِّ فَرْدٍ يَلِيقُ بِجَلَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا هُوَ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ مِنْ التَّنَافِي حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ مَقَامُ اسْتِغْرَاقٍ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ وَقَوْلُهُ وَنَفْيٌ لِلْكَثْرَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ وَالثَّانِي دُعَاءٌ) فِيهِ أَنَّ كَوْنَ الدُّعَاءِ مَهْمَا كَانَ أَعَمَّ كَانَ إلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبَ مَعْنَاهُ بِحَسَبِ عُمُومِ الْمَدْعُوَّةِ لَهُ لَا بِحَسَبِ الدَّاعِي وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ بِحَسَبِ الدَّاعِي بِأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي جَمَاعَةً اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنْ يُعِينَنَا وَالْمُسْلِمِينَ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عُمُومٌ فِي الْمُدَّعُو لَهُ لَا فِي الدَّاعِي الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَنَسْأَلُهُ إلَخْ أَيْ يُعِينَنَا وَالْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ عَلَى مُهِمَّاتِنَا وَعَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ النُّونُ فِي يُعِينَنَا لِلْجَمَاعَةِ بَلْ لِلْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَقَامِ الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَاللُّطْفُ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ) أَيْ وَالرِّفْقُ فِي الْأُمُورِ دُنْيَوِيَّةً أَوْ أُخْرَوِيَّةً أَيْ غَيْرِ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الصِّحَّةُ قَوْلُهُ قُلْت اللُّطْفُ أَعَمُّ وَإِلَّا فَلَا صِحَّةَ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ هِيَ عَيْنُ التَّوْفِيقِ فَالْعِصْمَةُ مِنْ صِفَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>