للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرْفَعَ وَيَشْهَدَ كَمَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْمُفْتِي بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِحَدٍّ وَنَحْوِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يَسَعُ الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَقَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ أَيْ فِيمَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَاءٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْوَى بِهِ كَإِدَارَةِ مَيِّتَةٍ رَفَعَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مِنْ كَوْنِهِ مَحْضَ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ أَوْ لَا.

(ص) ، وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ، وَقَالَ: أَنَا بِعْته لَهُ (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي هَذَا أَيْضًا، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ ثَوْبٍ مَثَلًا لِشَخْصٍ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَأَنَا بِعْته لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَأَنَا وَهَبْته أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لِانْتِفَاءِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَرْجِعُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقُلْ، وَأَنَا بِعْته لَهُ لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّاهِدَ كَانَ بَاعَهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يَضُرُّ لِاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَرْمُونِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَبَتَ بَيْعُهُ لَهُ لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْبَيِّنَةِ لَكِنْ إنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُفِيدُ عِنْدَ الْقَاضِي صِدْقَ الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ: وَأَنَا بِعْته يُرِيدُ تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الظَّنِّ عِنْدَ الْقَاضِي بِصِدْقِهِ فَهُوَ قَدْ حَرَصَ بِذَلِكَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا فِيمَا مَرَّ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْحِرْصَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ يَكْتَفِي بِمَا مَرَّ لِشُمُولِهَا لِهَذِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا إنْ دَفَعَ إلَخْ أَوْ يَسْتَغْنِي بِمَا مَرَّ عَنْ هَذِهِ لِشُمُولِهِ لَهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ النَّوْعَيْنِ عُدَّ قِسْمًا آخَرَ.

(ص) ، وَلَا إنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ شَهَادَةً وَبَعْدَ أَدَائِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حَدَثَ بِهِ فِسْقٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ عِنْدَهُ كَمِينٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ، وَأَنَّهُ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَنْفِيذِ مَا حُكِمَ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ كَانَ شَرِبَ خَمْرًا بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِفَاسِقَيْنِ.

(ص) بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ وَدَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ ظُهُورَ مَا ذُكِرَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا لِخِفَّةِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ فَمِثَالُ تُهْمَةِ جَرٍّ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ، وَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى تَزَوَّجَ الشَّاهِدُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَمِثَالُ تُهْمَةِ الدَّفْعِ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ بِفِسْقِ آخَرَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِدَ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، وَالشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ بِالْفِسْقِ قَالَهُ الشَّيْخُ دَاوُد تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِدَ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِفِسْقِهِ، أَوْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَالتَّوْبَةِ مِمَّا جُرِّحَ بِهِ، وَمِثَالُ تُهْمَةِ الْعَدَاوَةِ كَمَا لَوْ خَاصَمَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْوِي فِيهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْوَى أَيْ أَوْ كَانَ فِيمَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يُنْوَى فِيهِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوْ بِحَدٍّ مَعْنَاهُ: أَوْ أَقَرَّ بِمُوجَبِ حَدٍّ كَالزِّنَا، وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يَظْهَرُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ، وَحَاصِلُ التَّفْرِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ فَتَدَبَّرْ، وَقَوْلُهُ: كَإِرَادَةِ مَيِّتَةٍ إلَخْ حَاصِلِهِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ زَوْجَتَهُ الْمَيِّتَةَ وَاسْتَفْتَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا عِنْدَ الْمُفْتِي.

(قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا وَهَبْته إلَخْ) رَدَّهُ مُحَشِّي تت بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَهَبْته وَتَصَدَّقْت وَبِعْت وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ أَحْرَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْمِلْكِيَّةِ (أَقُولُ) ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُ الْبَرْمُونِيِّ لِاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُهُ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت عِنْدِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْرِيرُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَمَّا حَذَفَ الْمَرْجِعَ أَبْرَزَ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ: وَأَنَا بِعْته) هَكَذَا نُسْخَةُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ فَقَوْلُهُ: وَأَنَا بِعْته مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ مَفْعُولًا بِقَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ يُفِيدُ الْأَوْلَى حَذْفُ يُرِيدُ، وَيَقُولُ: يُفِيدُ تَقْوِيَةً وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يُفِيدُ عِنْدَ الْقَاضِي صِدْقَ الشَّاهِدِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ظَنِّ صِدْقِ الشَّاهِدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ يَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكْتَفِي إلَخْ أَيْ فَكَانَ لَا يَذْكُرُهَا أَصْلًا أَيْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جُزْئِيَّاتِهِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ الشَّيْءِ.

(قَوْلُهُ: كَمِينٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ) أَيْ اسْتِتَارٌ وَاسْتِخْفَاءٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ، وَالتَّعْبِيرُ بِحَدَثِ الْمُقْتَضِي تَحَقُّقُ الْحُدُوثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ اُتُّهِمَ بِالْحُدُوثِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالِاتِّهَامِ الشَّكَّ أَوْ الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَأَمَّا الظَّنُّ الْقَوِيُّ فَيُعْطِي حُكْمَ التَّحَقُّقِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُنْقَضُ) أَيْ لِكَوْنِهِ قَضَى بِفَاسِقٍ.

(قَوْلُهُ: إنْ شَهِدَ إلَخْ) أَيْ فَيُتَّهَمُ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا (قَوْلُهُ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِفِسْقِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِفِسْقِهِ لَكَانَتْ شَهَادَتُهُ غَيْرَ مَاضِيَةٍ، وَلَا يُتَوَهَّمُ بُطْلَانُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِالْفِسْقِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ) أَيْ عَدَالَةِ الْمَشْهُودِ بِفِسْقِهِ الَّذِي هُوَ شَاهِدٌ بِالْقَتْلِ أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا شَهِدَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - كَانَ أَوَّلًا - قَائِمٌ بِهِ وَزَالَ فَيَكُونُ شَهَادَةً بِالْفِسْقِ ضِمْنًا (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَلِمَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلشَّارِحِ أَنْ يَحْذِفَ تُهْمَةَ الْمُقْتَضِي عَطْفَ عَدَاوَةٍ عَلَى لَفْظِ جَرٍّ وَأَنَّ لَفْظَ تُهْمَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>