الْعَدَاوَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدُ، وَأَمَّا لَوْ اُحْتُمِلَ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَتَضُرُّ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: كَقَوْلِهِ تَتَّهِمُنِي إلَخْ.
(ص) وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ ثَبَتَ بَيْنَهُمْ التَّحَاسُدُ وَالتَّبَاغُضُ وَالْعَدَاوَةُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ذُكِرَ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ شَهَادَةَ ذَوِي الْفَضْلِ مَقْبُولَةٌ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ شَنَّعَ عَلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
(ص) وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَيْ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ جِبَايَةُ الْأَمْوَالِ فَقَطْ دُونَ صَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَخْذُ أَوْ الْأَكْلُ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ اتِّكَالًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ كَصَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ لَا تَقْدَحُ وَأَمَّا الْعُمَّالُ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ جِبَايَةُ الْأَمْوَالِ وَصَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا كَالْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الْبِلَادِ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ جَمِيعُ أُمُورِ الْأَمْوَالِ فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ يَجُوزُ الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ، وَأَخْذُ جَوَائِزِهِمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
(ص) وَلَا إنْ تَعَصَّبَ كَالرِّشْوَةِ وَتَلْقِينِ خَصْمٍ وَلِعْبِ نَيْرُوزَ وَمَطْلٍ وَحَلِفٍ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ وَتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَعَ وَلَدِ شِرِّيبٍ وَبِوَطْءِ مَنْ لَا تُوطَأُ وَبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ إحْكَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ وَبَيْعِ نَرْدٍ وَطُنْبُورٍ وَاسْتِحْلَافِ أَبِيهِ (ش) هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ مِنْهَا أَخْذُ الرِّشْوَةِ أَيْ أَخْذُ الْمَالِ لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ، وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ لِإِبْطَالِ الظُّلْمِ فَهُوَ جَائِزٌ لِلدَّافِعِ، حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ قَوْلُهُ: وَلَا إنْ تَعَصَّبَ أَيْ اُتُّهِمَ عَلَى التَّعَصُّبِ أَيْ التَّحْلِيلِ وَالْحَيْفِ، وَمِنْهَا تَلْقِينُ الْخُصُومِ أَيْ يُلَقِّنُهُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى خَصْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ الْقَبُولِ (تَنْبِيهٌ) : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُرْتَشٍ أَيْ آخِذِ الرِّشْوَةِ أَيْ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْآنَ، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُلَقِّنِ الْخُصُومِ أَيْ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُلَقِّنْ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْآنَ، وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُلَقِّنَ أَحَدَهُمَا حُجَّةً عَجَزَ عَنْهَا
وَمِنْهَا لِعْبُ نَيْرُوزَ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ لَا سِيَّمَا إذَا لَعِبَهُ مَعَ الْأَوْبَاشِ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّصَارَى ثُمَّ إنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى فِي أَيْ لِعْبٍ فِي يَوْمِ نَيْرُوزَ قَالَ تت قِيلَ إنَّهُ كَانَ بِمِصْرَ قَدِيمًا يُفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَلَا نَعْرِفُ صِفَتَهُ لَكِنْ رَأَيْت بِبَعْضِ
ــ
[حاشية العدوي]
مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُحَقَّقَةٌ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَعَدَاوَةٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ تُهْمَةٍ.
(قَوْلُهُ: يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ) أَيْ هَذَا الْعِلْمَ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ خَلَفٍ) أَيْ قَرْنٍ، وَقَوْلُهُ: عُدُولُهُ فَاعِلُ يَحْمِلُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَامِلَ لِهَذَا الْعِلْمِ إنَّمَا هُمْ الْعُدُولُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلْمِ الْعَدَالَةُ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ شَنَّعَ عَلَيْهِمْ) أَيْ قَائِلًا: إنَّهُمْ كَالتُّيُوسِ فِي الزَّرِيبَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ (قُلْت) أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ لَا مُطْلَقُ الْعُلَمَاءِ.
(قَوْلُهُ: الْمَضْرُوبِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعُمَّالِ أَيْ كَاَلَّذِي يُرْسِلُهُ الْمُلْتَزِمُ لِجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَأَمَّا نَفْسُ الْمُلْتَزِمِ فَهُوَ كَالْخَلِيفَةِ (قَوْلُهُ: لَا تَقْدَحُ) خَبَرُ أَنَّ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقْدَحُ كَالْمَرَّةِ مِنْ صَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ فَحِينَئِذٍ فَلَا تَقْدَحُ الْمَرَّةُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ صَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ (قَوْلُهُ: كَالْحَجَّاجِ إلَخْ) فَإِنَّهُ نَابَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (قَوْلُهُ: فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ) أَيْ فَقَدْ أَخَذَ مَالِكٌ جَائِزَةَ الْمَنْصُورِ، وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَائِزَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَالْأَخْذُ مِنْ الْعُمَّالِ أَخْذُ ابْنِ عُمَرَ جَائِزَةً مِنْ الْحَجَّاجِ عَلَى مَا نُقِلَ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ مِمَّنْ ذُكِرَ إذَا كَانَ جُلُّ الْمَالِ حَلَالًا كَمَا فِي تت وَأَمَّا مَنْ جُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَمْنُوعٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا مَنْ جَمِيعُ مَالِهِ حَرَامٌ فَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَقَبُولُ هِبَتِهِ وَمُعَامَلَتُهُ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَطْعَمَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَدْ اشْتَرَاهُ أَيْ بِعَيْنِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ فِيهِ عَيْنَ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ وَرِثَهُ أَوْ وَهَبَ ذَلِكَ جَازَ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْحَرَامِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ اشْتَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَرُدُّ عَطَايَاهُمْ أَيْ السَّلَاطِينِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ أَيْ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَرَامَ (قَوْلُهُ: جَوَائِزُهُمْ) أَيْ عَطَايَاهُمْ.
(قَوْلُهُ، وَلَا إنْ تَعَصَّبَ كَالرِّشْوَةِ) مُثَلَّثُ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ: وَتَلْقِينُ خَصْمٍ بِأَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمِ: يَلْزَمُك كَذَا عَلَى قَوْلِك كَذَا لِيَفْهَمَ الْمَقْصُودَ (قَوْلُهُ: وَمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي) أَيْ لِاتِّهَامِهِ أَنَّ لَهُ خُصُوصًا بِالْقَاضِي (قَوْلُهُ: مِنْهَا أَخْذُ الرِّشْوَةِ) مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّشَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَطْلُوبِهِ كَالْحَبْلِ (قَوْلُهُ: وَالرِّشْوَةُ أَخْذُ الْمَالِ) أَيْ أَوْ دَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِمَا مَعًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّحَيُّلِ وَالْحَيْفِ) هُمَا بِمَعْنَى لَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الرِّشْوَةِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ كَالرِّشْوَةِ تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّ آخِذَ الْمَالِ لِذَلِكَ يُتَّهَمُ عَلَى التَّحَيُّلِ وَالْحَيْفِ، وَتَكُونُ الرِّشْوَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذِي الرِّشْوَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْعَصَبِيَّةُ، وَهِيَ أَنْ يَبْغَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا اهـ. فَعَلَيْهِ يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ اتِّهَامِ التَّعَصُّبِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ فَأَوْلَى وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا) أَيْ تِلْكَ الْحَالَةَ إلَّا مَعَ الَّتِي هِيَ لِعْبُ نَيْرُوزَ (قَوْلُهُ: إذَا لَعِبَ مَعَ الْأَوْبَاشِ) جَمْعُ وَبَشٍ كَفَرَحٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ السَّفَلَةُ (أَقُولُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِالتَّفْسِيرِ الْآتِي لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْأَوْبَاشِ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا
(قَوْلُهُ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ الْمُشْرِكِينَ فَعَطْفُ النَّصَارَى مُغَايِرٌ