بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ الْمَالُ رَقِيقًا كَانَ، أَوْ حُرًّا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي حِلِّ قَوْلِهِ: وَأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى إلَخْ (ص) وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا جَنَى فِي حَالِ رِدَّتِهِ جِنَايَةً عَمْدًا، أَوْ خِطْئًا، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهِمَا بَعْدَ تَوْبَتِهِ كَالْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا عَلَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَتْ خِطْئًا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ، وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْحُرِّ وَالْمُسْلِمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِيمَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا، بَلْ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِعِبَارَةِ الضَّمِيرِ فِي فِيهِمَا يَرْجِعُ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ لَا الصَّادِرَتَيْنِ عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَيَحْتَمِلُ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ، أَوْ عَلَيْهِ، فِيهِ نَظَرٌ
. (ص) وَقَتْلُ الْمُسْتَسِرِّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا (ش) . الْمُسْتَسِرُّ هُوَ الزِّنْدِيقُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَافِقِ يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ اخْتِيَارًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْتَسِرًّا بِكُفْرٍ، أَوْ بِسِحْرٍ فَلَوْ جَاءَ إلَيْنَا تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ، فَقَوْلُهُ: بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَيْ: بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ لَا بِلَا طَلَبِ تَوْبَةٍ فَالسِّينُ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ. (ص) وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ إذَا قُتِلَ فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ تَابَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَا إذَا أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ الزَّنْدَقَةِ
. (ص) وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ. (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَقَالَ إنَّمَا كَانَ إسْلَامِي لِأَجْلِ عُذْرٍ حَصَلَ لِي، وَظَهَرَ عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ الْخَوْفِ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ، وَصَلَّى إمَامًا بِمِنْ صَحِبَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أَمِنَ أَظْهَرَ الْكُفْرَ، وَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأُحَصِّنَ نَفْسِي وَمَالِي بِالْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى أَبَدًا، وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا مَرَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا إلَخْ
. (ص) وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ أَيْ: لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ: وَإِنَّمَا كَانَ الْتِزَامُ الدَّعَائِمِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً، وَمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ، وَأَعْمَالُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يُصَدَّقْ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا
ــ
[حاشية العدوي]
نَقَلَ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ) نُسْخَةُ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ صَوَابٌ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ) أَيْ: وَأَمَّا لَوْ تَابَ وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ كَالْمُسْلِمِ فِي جِنَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا الصَّادِرَتَيْنِ عَلَيْهِ) أَيْ: فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَيْ: فَإِنَّ هَذِهِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ أَيْ: فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا عَلَى حَالِهِ وَلَا يُقَدَّرُ كَالْمُسْلِمِ
. (قَوْلُهُ: هُوَ الزِّنْدِيقُ) أَيْ: عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِالْمُنَافِقِ أَيْ: فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ: بِحَيْثُ لَا تَقْتُلُهُ، وَإِلَّا فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْ حَيْثُ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَا بِلَا طَلَبٍ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ نَفْيَ الطَّلَبِ لَا يَنْفِي الْقَبُولَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ حَيْثُ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ إذَا قُتِلَ) أَيْ: وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ تَابَ) أَيْ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ بَلْ اسْتَمَرَّ مُصِرًّا فَلَا يَكُونُ مَالُهُ لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُرْتَدِّ يَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ) أَيْ: وَهِيَ حِينَئِذٍ تَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ الْقَتْلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ أَيْ: وَهِيَ حِينَئِذٍ لَا تَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ الْقَتْلِ بَلْ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ إلَخْ) أَيْ: مِثْلَ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ أَيْ: وَيُقْتَلُ حِينَئِذٍ حَدًّا كَمَا يُفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا سَيَأْتِي
. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ) أَيْ: خَوْفًا مِنْ غُرْمٍ، أَوْ عَذَابٍ. (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَيْ: وَلَوْ أَسْلَمَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ: نَوْعُ تَكْرَارٍ وَلَمْ يَقُلْ: تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ غَيْرُ الْإِعَادَةِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْإِعَادَةُ فَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ اللُّزُومِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا حَقِيقَةً بَلْ نَوْعٌ مِنْ التَّكْرَارِ
. (قَوْلُهُ: أَيْ: لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَحَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الْوُقُوفَ هُوَ الِاطِّلَاعُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ وَلَمْ يَلْتَزِمْهَا لَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ مَعَ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ الِالْتِزَامُ، فَمَعْنَى وَلَمْ يُوقَفْ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِغَيْرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَهَذَا فِيمَنْ يَجْهَلُ الدَّعَائِمَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا كَمَا لَوْ تَرَبَّى بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ) وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ) أَيْ: تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِمَ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا فِيمَا عُلِمَ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ فَمَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ: أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ إلَخْ أَيْ: الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُنْقَادٌ ظَاهِرًا انْقِيَادًا مَبْنِيًّا عَلَى انْقِيَادٍ بَاطِنِيٍّ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، فَالْأَقْوَالُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَيْ: أَنَّ الْإِسْلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ