وَانْصِرَافٌ عَنْهَا بِلَا صَلَاةٍ أَوْ بِلَا إذْنٍ إنْ لَمْ يُطَوِّلُوا (ش) يُرِيدُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الصِّيَاحُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ قَبِيحٍ وَإِلَّا حَرُمَ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: اسْتَغْفِرُوا لَهَا لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ السَّلَفِ. وَمِمَّا يُكْرَهُ أَيْضًا الِانْصِرَافُ عَنْ الْجِنَازَةِ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلطَّعْنِ فِي الْمَيِّتِ أَوْ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَهْلِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي حُضُورِهِ لِيَدْعُوَ لِمَيِّتِهِمْ وَيَكْثُرَ عَدَدُهُمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْعِبَادَةِ وَهِيَ حُضُورُ دَفْنِهَا إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ فَيَنْصَرِفَ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَأَمَّا الِانْصِرَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَمَكْرُوهٌ وَلَوْ بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَلَوْ لِحَاجَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَقَوْلُهُ: أَوْ بِلَا إذْنٍ أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُطَوِّلُوا رَاجِعٌ لِلثَّانِي فَقَطْ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُكْرَهُ لَهُمْ الِانْصِرَافُ قَبْلَ حُصُولِهِ وَلَوْ طَوَّلُوا.
(ص) وَحَمْلُهَا بِلَا وُضُوءٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ لِيَنْصَرِفَ إذَا بَلَغَتْ الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلِانْصِرَافِ عَنْهَا بِلَا صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِمَوْضِعِ الْجِنَازَةِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ حَمْلُهَا بِلَا وُضُوءٍ (ص) وَإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ إدْخَالُ الْجِنَازَةِ الْمَسْجِدَ أَوْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنْ يَضِيقَ خَارِجَهُ بِأَهْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا مَنْ بِالْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَقَوْلُهُ: فِيهِ ظَرْفُ لَغْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَهُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِإِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ لَا حَالٌ مِنْ الْهَاءِ فِي عَلَيْهِ (ص) وَتَكْرَارُهَا (ش) يُرِيدُ أَنَّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مَكْرُوهَةٌ إذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ أَوَّلًا جَمَاعَةً وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا جَمَاعَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُهَا مَا لَمْ تَفُتْ بِالدَّفْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
(ص) وَتَغْسِيلُ جُنُبٍ (ش) هُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ: يُكْرَهُ لِمَنْ يَكُونُ جُنُبًا أَنْ يُغَسِّلَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَكُرِهَ قِرَاءَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ سُورَةِ يس أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَدَبُّرُ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ لِيُتَّعَظَ بِهَا وَهُوَ أَمْرٌ يَشْغَلُ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَأَجَازَهَا ابْنُ حَبِيبٍ لِخَبَرِ: «اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ» وَلَعَلَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مَالِكٍ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى فِعْلِهِ اسْتِنَانًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْإِطْلَاقُ اهـ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ.
وَقَالَ: إنَّا مُكَلَّفُونَ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ وَمَا لَقُوا وَنَحْنُ مُكَلَّفُونَ بِالتَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى إسْقَاطِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ اهـ.
(أَقُولُ) وَحَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ تَدَبُّرَ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ لِيُتَّعَظَ بِهَا فَلْتَكُنْ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَكْرُوهَةً مُطْلَقًا قَصَدَ بِهِ اسْتِنَانًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَتَكُونُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَلَى قَبْرِهِ وَبَعْدَهُ مُسْتَوِيَةً فِي الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا اسْتِنَانًا أَمْ لَا، وَأَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُقَابِلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ فِي نَوَازِلِهِ: إنْ قَرَأَ الرَّجُلُ وَجَعَلَ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لِمَيِّتٍ جَازَ ذَلِكَ وَحَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ نَفْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْأَبِيِّ إنْ قَرَأَ ابْتِدَاءً بِنِيَّةِ الْمَيِّتِ وَصَلَ إلَيْهِ ثَوَابُهُ كَالصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ قَرَأَ ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَصِلْ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجِّ: وَتَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ وَبِغَيْرِهِ عَنْ الْقَرَافِيِّ. الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ كَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ، وَوُصُولُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ حَصَلَ الْخِلَافُ فِيهَا فَلَا يَنْبَغِي إهْمَالُهَا فَلَعَلَّ الْحَقَّ الْوُصُولُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرِ هَلْ يَقَعُ كَذَلِكَ؟ وَكَذَا التَّهْلِيلُ الَّذِي عَادَةً النَّاسُ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ وَيُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. أَيْ: الَّذِي هُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ السَّبْعِينَ أَلْفًا الْمَعْرُوفَةَ. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: مَنْ أَرَادَ وُصُولَ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ بِلَا نِزَاعٍ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ دُعَاءً بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صِلْ ثَوَابَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ) لَا مَفْهُومَ لَهُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ قَبِيحٍ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا: وَبُكَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقَوْلٍ قَبِيحٍ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ إمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الرِّجَالِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَاحِ مَعَ الْبُكَاءِ وَهَذَا فِي الصِّيَاحِ لَيْسَ مَعَهُ بُكَاءٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ) وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْحُضُورُ لِلدَّفْنِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لِحَاجَةٍ) وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِهَا ضَرَرٌ أَشَدُّ مِنْ خَوْفِ الطَّعْنِ. (قَوْلُهُ مِنْ الطَّعْنِ) أَيْ: مَظِنَّةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ. . . إلَخْ) لَا مَفْهُومَ لِلْحَمْلِ بَلْ وَالذَّهَابُ مَعَهَا كَذَلِكَ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ وَإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ) وَلَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ خَوْفَ انْفِجَارِهِ أَوْ لِحُصُولِ نَجَاسَةٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى سُهَيْلٍ بِالتَّصْغِيرِ كَمَا ضَبَطَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ ابْنُ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ. (قَوْلُهُ بِأَهْلِهِ. . . إلَخْ) أَهْلِ الْخَارِجِ. (قَوْلُهُ إذَا صُلِّيَ عَلَيْهَا أَوَّلًا جَمَاعَةً) أَيْ: فَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا جَمَاعَةً وَأَفْذَاذًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا جَمَاعَةً) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا فَذًّا أَوْ أَفْذَاذًا اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ لَا فَذًّا وَلَا أَفْذَاذًا فَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَكْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ ثَانِيًا كَالنَّفْلِ وَهُوَ لَا يُتَنَفَّلُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا غُسِّلَ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ فَكَذَا الصَّلَاةُ ابْنُ رُشْدٍ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ أَيْ: جَمَاعَةً وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ مَا لَمْ تَفُتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْقَائِلِ بِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، أَوْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِاسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا؟ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فَتَدَبَّرْ