للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ سِرًّا غَيْرَ مُفِيدٍ. قُلْت: فَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ لِدَفْعِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصُّرَاخُ مَجَازًا.

(ص) وَتَكْبِيرُ نَعْشٍ وَفَرْشُهُ بِحَرِيرٍ وَاتِّبَاعُهُ بِنَارٍ وَنِدَاءٌ بِهِ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ لَا بِكَحِلَقٍ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ إعْظَامُ النَّعْشِ بِمَا فَوْقَ الْحَاجَةَ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ فَرْشُ النَّعْشِ بِحَرِيرٍ. وَمَفْهُومُ (فَرْشُ) أَنَّ السِّتْرَ لَا يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَرَ الْكَفَنُ بِثَوْبٍ سَاجٍ وَنَحْوِهِ وَيُنْزَعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ اتِّبَاعُ الْمَيِّتِ بِنَارٍ؛ لِلتَّفَاؤُلِ وَلِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى، وَإِنْ كَانَ فِيهَا طِيبٌ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ لِلسَّرَفِ. وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يُنَادَى بِالْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى بَابِهِ، وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا بِكَحِلَقٍ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ. وَحِلَقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَفَتْحِ اللَّامِ: جَمْعُ حَلْقَةٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، وَقِيلَ: الْجَمْعُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا. وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمُفَرَّقِ بَيْنَ مُفْرَدِهَا وَجَمْعِهَا بِالتَّاءِ.

(فَائِدَةٌ) مَنْ رَأَى جِنَازَةً فَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ مِنْ يَوْمِ قَالَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

(ص) وَقِيَامٌ لَهَا (ش) أَيْ يُكْرَهُ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ وَهَذَا صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ إحْدَاهَا: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجَالِسِ تَمُرُّ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَقُومَ لَهَا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ يَتْبَعُهَا أَنْ يَسْتَمِرَّ قَائِمًا حَتَّى تُوضَعَ. الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ سَبَقَهَا لِلْمَقْبَرَةِ أَنْ يَقُومَ إذَا رَآهَا حَتَّى تُوضَعَ. وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَفَعَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ: قَلِيلٌ لِأَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ. وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْحَيِّ فَقَدْ أَطَالَ الْقَرَافِيُّ فِيهِ فِي فُرُوقِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِمَنْ يُحِبُّهُ وَيُعْجَبُ بِهِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَيَتَأَذَّى مِنْهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَعْجَبُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَالصِّهْرِ وَالْوَالِدَيْنِ وَلِمَنْ نَزَلَ بِهِ هَمٌّ فَيُعَزَّى أَوْ سُرُورٌ فَيُهَنَّأَ وَلِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِهِ فِتْنَةٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ.

(ص) وَتَطْيِينُ قَبْرٍ أَوْ تَبْيِيضُهُ (ش) أَيْ وَكُرِهَ تَطْيِينُ قَبْرٍ بِأَنْ يُلْبَسَ بِالطِّينِ، وَكَذَا تَبْيِيضُهُ بِالْجِيرِ وَهُوَ مَعْنَى التَّجْصِيصِ (ص) وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ أَوْ تَحْوِيزٌ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ نَفْسِهَا وَالتَّحْوِيزُ لِمَوْضِعِهَا بِالْبِنَاءِ حَوْلَهَا وَهَذَا إذَا عُرِّيَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ عَنْ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدٍّ يَأْوِي إلَيْهِ أَهْلُ الْفَسَادِ، فَإِنْ قُصِدَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّطْيِينِ فَمَا بَعْدَهُ الْمُبَاهَاةُ أَوْ رُفِعَ إلَى مَا يَأْوِي إلَيْهِ أَهْلُ الْفَسَادِ حَرُمَ وَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ بَيْتٌ ابْنُ بَشِيرٍ. وَظَاهِرُ هَذَا التَّحْرِيمِ: وَإِلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنُفِّذَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْ: كَمَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِضَرْبِ خِبَاءٍ عَلَى قَبْرِهِ، وَضَرْبُهُ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ أَجْوَزُ مِنْهُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ لِمَا يُسْتَرُ مِنْهَا عِنْدَ إقْبَارِهَا، وَقَدْ ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى قَبْرِ

ــ

[حاشية العدوي]

وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ لِلْمُبَالَغَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَبُكَا بِالْقَصْرِ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ اُلْبُكَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ. (قَوْلُهُ بِمَا فَوْقَ الْحَاجَةِ) أَيْ: بِحَيْثُ يَكُونُ مَظِنَّةَ الْمُبَاهَاةِ أَوْ عِظَمِ الْمُصِيبَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُكْرَهُ فَرْشُ النَّعْشِ بِحَرِيرٍ) وَلَوْ لِمَرْأَةٍ.

(قَوْلُهُ أَنَّ السَّتْرَ لَا يُكْرَهُ) أَيْ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ مُلَوَّنًا وَإِلَّا كُرِهَ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ (قَوْلُهُ بِثَوْبٍ سَاجٍ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَوْ بَدَلٌ وَالسَّاجُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: السَّاجُ طَيْلَسَانٌ أَخْضَرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مُطْلَقُ طَيْلَسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَرِيرًا فَهُوَ مُحْتَرَزُ فَرْشُ (قَوْلُهُ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ لِلسَّرَفِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كَرَاهَةٌ وَاحِدَةٌ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ شَارِحُ عِبَارَةِ الْمُوَطَّأِ. (قَوْلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ) أَيْ: الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي نَدْبَهُ؛ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبَةٌ. (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ: الْمَوْتُ أَوْ الْحَالَةُ الْقَائِمَةُ بِهَذَا وَهِيَ الْمَوْتُ. (قَوْلُهُ {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: ١٢] جَعَلَهُ وَعْدًا لِأَنَّهُ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ نِعَمِ الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: ٢٢] أَيْ: فِي وَعْدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ. (قَوْلُهُ إيمَانًا) أَيْ: تَصْدِيقًا بِوَعْدِكَ بِالْمَوْتِ أَوْ بِمَا هُوَ أَعَمُّ وَقَوْلُهُ: وَتَسْلِيمًا أَيْ: وَانْقِيَادًا لِحُكْمِكَ بِالْمَوْتِ أَوْ لِأَحْكَامِكَ كُلِّهَا بِأَنْ نَقْبَلَهَا بِغَايَةِ الرِّضَا وَلَا نَتَكَدَّرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا. (قَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ قَالَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ: يُكْتَبُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ مِنْ يَوْمِ قَالَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْآنَ وَكُلَّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْآتِيَةِ ظَرْفٌ لِلْإِعْطَاءِ لَا لِلْكَتْبِ وَقَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّحْدِيدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ

. (قَوْلُهُ صَادِقٌ بِصُوَرٍ ثَلَاثٍ. . . إلَخْ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ الْقِيَامُ مَأْمُورًا بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ نُسِخَ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ) أَيْ: يَكُونُ قَائِمًا مُعَايِنًا مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ مِنْ وَضْعٍ بِقَبْرٍ وَسَدِّ لَبِنٍ وَهَذَا فِيهِ اعْتِنَاءٌ بِالْمَيِّتِ، وَلِذَا قَالَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ: قَلِيلٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أَيْ: شَيْءٌ قَلِيلٌ يُفْعَلُ لِأَجْلِ أَخِينَا وَقَوْلُهُ: قِيَامُنَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. (قَوْلُهُ وَيُعْجَبُ بِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَأُعْجِبَ زَيْدٌ بِنَفْسِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إذَا تَرَفَّعَ وَتَكَبَّرَ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ: يُتَكَبَّرُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُحِبُّهُ وَلَا يُعْجَبُ بِهِ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يُعْجَبُ أَنْ يَكُونَ يُحِبُّهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْجَبُ بِهِ) أَيْ: وَلَا يَتَأَذَّى مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ. . إلَخْ) أَيْ: عِنْدَ الْخُلُوِّ عَنْ الْمَانِعِ الْمُوجِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَلِمَنْ نَزَلَ بِهِ هَمٌّ. . . إلَخْ) أَيْ: كَأَنْ قَدِمَ عَلَيْكَ مَنْ قَامَ بِهِ الْهَمُّ أَوْ السُّرُورُ فَيُنْدَبُ أَنْ تَقُومَ لَهُ لِتُعَزِّيَهُ أَوْ تُهَنِّيهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قِيَامِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا فَقَالَ: لَا تَفْعَلُهُ قِيلَ: هِيَ مِنْ أَقْوَمِ النَّاسِ طَرِيقَةً فِي أَمْرِهَا قَالَ تُؤَدِّي حَقَّهُ فِي غَيْرِ هَذَا وَلَا أُحِبُّهُ اهـ.

(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِهِ. . . إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ فِتْنَةٍ، إنْ لَمْ يَقُمْ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقُومُ لَهُ يُعْجَبُ بِهِ

. (قَوْلُهُ أَجْوَزُ مِنْهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْأَجْوَزِيَّةَ تَرْجِعُ لِلنَّدْبِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>