وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَدَمُ اللُّزُومِ بِالْعَطِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ سُقُوطَ حُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ إذْ قَدْ يُقَالُ قَدْ جَزَّأَهُ، وَقَدْ وَفَّاهُ وَقَطَعَ سَنَدٌ بِلُزُومِ ذَلِكَ لِلْوَالِدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مَيْلٌ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا السُّؤَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ بِبَلَدِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِعْطَاءَ، أَوْ لَا، وَهُوَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ خِلَافُ مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ (هـ) فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَدَخَلَ فِي الْإِطْلَاقِ مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ فِي الْحَضَرِ وَيُعْطِي فِي السَّفَرِ إذَا سَافَرَ مَا يَكْفِيهِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْوُجُوبُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ.
وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ (ص) وَاعْتُبِرَ مَا يَرُدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَا يَصِلُ بِهِ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يَرْجِعُ بِهِ إلَّا إذَا خَشِيَ إنْ بَقِيَ ضَاعَ فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ رُجُوعُهُ إلَى حَيْثُ يَنْتَفِي ذَلِكَ عَنْهُ، فَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا يَرُدُّ بِهِ أَيْ: إلَى أَقْرَبِ مَكَان يُمْكِنُهُ التَّمَعُّشُ فِيهِ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ.
(ص) وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ السَّفَرَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مُسْتَطِيعِهِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْن الْبَحْرِ وَالْبَرِّ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فِي نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَمَا قَالُوا فِيهِ يَغْلِبُ الْعَطَبُ امْتَنَعَ رُكُوبَهُ، فَإِنْ قُلْت: لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ مَعَ قَوْلِهِ: سَابِقًا وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ قُلْت فَائِدَتُهُ إفَادَةُ بَيَانِ أَنَّ مَا تَسَاوَى السَّلَامَةُ فِيهِ مَعَ الْعَطَبِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ قَوْلِهِ: وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَوْ نَقُولُ فَائِدَتُهُ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْنِ فِي الْبَحْرِ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَطَبُهُ لَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ عَطَبٌ (ص) ، أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى يَغْلِبَ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا خَافَ أَنْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ بِأَنْ يَخْشَى إذَا قَامَ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ أَيْ: الدَّوْخَةُ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ كَصَلَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَيَضِيعُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُلَاثِيًّا مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ فَيُرْفَعُ رُكْنُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْفَاعِلِيَّةِ، وَيُنْصَبُ عَلَى الثَّانِي بِالْمَفْعُولِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: لِكَمَيْدٍ، أَوْ ضِيقِ مَكَان لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ فِيهِ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ.
(ص) وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ فِي تَعَلُّقَاتِ الْحَجِّ حُكْمُ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ وَسُنِّيَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَالْفَوْرِيَّةِ وَالتَّرَاخِي وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي النَّاسِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَشْيُ مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَاحْتُرِزَ بِالْبَعِيدِ عَنْ الْقَرِيبِ مِثْلُ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مِثْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ بَعْضٌ، وَالظَّاهِرُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَنِسَاءُ الْبَادِيَةِ لَسْنَ كَنِسَاءِ الْحَاضِرَةِ، وَأَيْضًا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَقَطَعَ سَنَدٌ إلَخْ) ظَاهِرُ شب تَرْجِيحُهُ (قَوْلُهُ: عَادَتُهُ السُّؤَالَ أَمْ لَا إلَخْ) هَذَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ إعْطَاءً لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَحُرْمَتُهُ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ، أَوْ لَا لِإِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ الْعَادَةُ إعْطَاؤُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ اتِّفَاقًا وَكَذَا لِمَنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَفِي الشَّامِلِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ) أَقَرَّهُ مُحَشِّي تت وَقَوَّاهُ فَخِلَافُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَاعْتُبِرَ مَا يَرِدُ بِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اعْتَبَرَ إمْكَانَ الْوُصُولِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنْ حَالَةِ الرَّدِّ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا هُنَا
(قَوْلُهُ: وَالْبَحْرُ) أَيْ: فِي وُجُوبِ رُكُوبِهِ لِمَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ وَجَوَازُهُ لِمَنْ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ (قَوْلُهُ: لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: إلَخْ) أَيْ:؛ لِأَنَّ عَدَمَ غَلَبَةِ الْعَطَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ (قَوْلُهُ: قُلْت فَائِدَتُهُ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ تَسْلِيمُ أَنَّ عَدَمَ غَلَبَةِ الْعَطَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: إنَّ مَا تَسَاوَى فِيهِ) أَيْ: السَّفَرُ الَّذِي تَسَاوَى فِيهِ إلَخْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَرًّا، أَوْ بَحْرًا وَقَوْلُهُ: أَوْ نَقُولَ إلَخْ حَاصِلُ الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ الْغَلَبَةِ الصَّادِقَ بِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ فِي خُصُوصِ الْبَحْرِ لَا فِي الْبَرِّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبُعْدِ، بَلْ قَدْ يَتَرَاءَى الْعَكْسُ وَذَكَرَ فِي ك أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ اسْتَوَى السَّلَامَةُ وَالْعَطَبُ، وَذَكَرَ أَنَّ عج اسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ لعج (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ نُزِّلَ قُدُومُهُ عَلَى السَّفَرِ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ اخْتِيَارِهِ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاجِزًا وَقْتَهَا عَنْ إزَالَتِهَا.
(تَنْبِيهٌ) : يَقْضِي الْعَالِمُ بِالْمَيْدِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْبَةِ عَقْلِهِ كَالسَّكْرَانِ بِجَامِعِ إدْخَالِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَقْضِي غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ
(قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ) ، وَلَوْ مُتَجَالَّةً (قَوْلُهُ: إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَرُكُوبُ بَحْرٍ أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِثْلُ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا) مِمَّا لَا يَكُونُ مَسَافَةَ قَصْرٍ (قَوْلُهُ: مِثْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ) أَيْ: مِثْلُ مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute