فَنِسَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَخْتَلِفْنَ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَمِنْهَا رُكُوبُ الْبَحْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ لِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالنَّوْمِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي السِّتْرِ وَلِهَذَا قَيَّدَ ذَلِكَ عِيَاضٌ بِالسُّفُنِ الصِّغَارِ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَأَمَّا الْكِبَارُ الَّتِي تُخَصُّ فِيهَا بِمَوْضِعٍ لِجَمِيعِ حَاجَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ.
(ص) وَزِيَادَةِ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى بَعِيدٍ مَشَى وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ تَجِدَ مَحْرَمًا مِنْ مَحَارِمِهَا يُسَافِرُ مَعَهَا أَوْ زَوْجًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْرَمِ لِيَعُمَّ الْقَرَابَةَ وَالصِّهْرَ وَالرَّضَاعَ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ سَفَرِهَا مَعَ ابْنِ زَوْجِهَا فَلِشَيْءٍ آخَرَ، وَرُوِيَ: نِصْفَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَلَيْلَةً وَبَرِيدًا وَرُوِيَ: «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَحَمَلُوا رِوَايَاتِ التَّحْدِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ رَدًّا إلَى رِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ، وَالْمُرَادُ مَا يُسَمَّى سَفَرًا لِحُرْمَةِ الِاخْتِلَاءِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَرِوَايَاتُ التَّحْدِيدِ إنَّمَا هِيَ وَارِدَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَمَوَاطِنَ بِأَنْ «سُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ» ، وَكَذَا بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمَحْرَمِ، بَلْ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الزَّوْجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَوْلُ التَّوْضِيحِ قَاسَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمَحْرَمِ فِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْمَحْرَمُ، أَوْ الزَّوْجُ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا (ص) كَرُفْقَةٍ أَمِنَتْ بِفَرْضٍ (ش) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تُخْتَصَّ بِمَكَانٍ أَيْ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَرُفْقَةٍ أَمِنَتْ إلَخْ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ يُكْتَفَى بِهَا، وَتَقُومُ مَقَامَ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ فِي الْفَرْضِ لَا فِي النَّفْلِ أَيْ: عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ، أَوْ امْتِنَاعِهِمَا أَوْ عَجْزِهِمَا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَقَوْلُهُ: بِفَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهَا فِي فَرْضٍ لَا بِأَمِنَتْ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا وَالْفَرْضُ يَشْمَلُ كُلَّ فَرْضٍ كَمَا إذَا أَسْلَمَتْ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، أَوْ أُسِرَتْ وَأَمْكَنَهَا الْهَرَبُ، وَحَجُّ النَّذْرِ وَالْقَضَاءُ وَالْحِنْثُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْمَنْزِلِ لِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ إذَا خَرَجَتْ صَرُورَةً فَمَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ خَرَجَتْ لِلرِّبَاطِ، أَوْ زِيَارَةٍ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَحَلِّهِ (ص) ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي: هَلْ يُكْتَفَى فِي خُرُوجِهَا انْفِرَادُ النِّسَاءِ أَوْ انْفِرَادُ الرِّجَالِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ؟ تَرَدَّدَ الشُّيُوخُ فِي فَهْمِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ هَلْ الْوَاوُ عَلَى حَالِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ هِيَ لِلْجَمْعِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحُكْمُ عَلَى النَّوْعَيْنِ؟ وَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ: أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: الَّتِي تَخُصُّ فِيهَا بِمَوْضِعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ اخْتِصَاصِهَا بِمَكَانِ اتِّسَاعِهَا بِحَيْثُ لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ
. (قَوْلُهُ: تَزِيدُ إلَخْ) أَيْ: فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: زِيَادَةَ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ، زِيَادَتُهُمَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْرَمُ زَائِدًا أَيْ: مُتَعَدِّدًا (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ الْمُتَجَالَّةَ وَالشَّابَّةَ وَقَدْ قَالُوا لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ،، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَإِيَّاهُ مُتَرَافِقَيْنِ، فَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الرُّفْقَةِ وَهِيَ فِي آخِرِهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ بِحَيْثُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ أَمْكَنَهَا الْوُصُولُ بِسُرْعَةٍ كَفَى ذَكَرَهُ فِي ك (قَوْلُهُ فَلِشَيْءٍ آخَرَ) وَهُوَ خَوْفُ ضَيْعَتِهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ (قَوْلُهُ: وَيَوْمَيْنِ) الْأَوْلَى وَيَوْمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ قِرَاءَةُ رُوِيَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ فَحَمَلُوا إلَخْ) أَيْ: لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ إذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدَانِ فَأَكْثَرُ يَرْجِعُ لِرِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ: مُرَادُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: لَا تُسَافِرُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالرَّاجِحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ لَا يَتَخَصَّصُ بِذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّقْيِيدُ وَارِدًا عَلَى أَسْئِلَةٍ كَفَى فِي الْجَوَابِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا يُسَمَّى سَفَرًا) أَيْ: لُغَةً لَا سَفَرًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا (قَوْلُهُ: وَرِوَايَاتُ التَّحْدِيدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ فَمَا السِّرُّ فِي رِوَايَاتِ التَّقْيِيدِ وَمَا الْمُوجِبُ لِذِكْرِهَا (قَوْلُهُ: وَمَوَاطِنُ) أَيْ: وَمَوَاضِعُ هِيَ الْمَوَاضِعُ الْمَسْئُولُ عَنْ سَفَرِهَا كَمَسِيرَةِ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَالْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ إذْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اخْتِلَافُ السَّائِلِينَ مِنْ حَيْثُ الْمَوَاطِنُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمُحْرِمِ) أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْرِمِ الْبُلُوغُ بَلْ يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهَا) أَيْ: إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا وَحَرُمَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَإِنْ امْتَنَعَا بِكُلِّ وَجْهٍ، أَوْ طَلَبَا مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ خَرَجَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا إذَا طَلَبَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ، وَلَوْ كَثُرَ مَطْلُوبُهُمَا وَلَا يَتَقَيَّدُ مَطْلُوبُهُمَا بِالْقِلَّةِ كَالظَّالِمِ.
(مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً فِي مَفَازَةٍ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا وَيَجْتَهِدُ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْإِفْكِ (قَوْلُهُ: كَرُفْقَةٍ إلَخْ) إنْ قُلْت: هُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ قُلْنَا خَصَّهُ الْقِيَاسُ عَلَى وُجُوبِ هِجْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْوُجُوبِ) هَذَا بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا مَقَامَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْنَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا) أَيْ: لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ سَفَرِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَهَا الْهَرَبُ) فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْهَا مَعَ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهَا وَكَانَ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ بَقَائِهَا وَخُرُوجِهَا ضَرَرٌ فَإِنْ خَفَّ أَحَدُهُمَا ارْتَكَبَتْهُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا خُيِّرَتْ كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ (قَوْلُهُ: الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْحُكْمَ عَلَى النَّوْعَيْنِ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute