للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَيْ:؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ فَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْفَاعِلِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالطُّهْرِ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلَامُهُ لِلْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَيَرْجِعُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِي الطَّوَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَلَوْ قَالَ بِالطَّهَارَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ كَثُرَ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اسْتِعْمَالُ الطُّهْرَيْنِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ فَيَصِيرُ الْخَبَثُ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَكَثُرَ فِي لِسَانِهِمْ اسْتِعْمَالُ الطَّهَارَتَيْنِ فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَفِي التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ إلَخْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْشَأُ عَنْهُ الصِّفَةُ.

(ص) وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءً (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ حَدَثٌ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا أَيْ: سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، أَوْ غَلَبَةً فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْأَشْوَاطِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا وَيَبْتَدِئُ الْوَاجِبُ بَعْدَ الطُّهْرِ دُونَ التَّطَوُّعِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْحَدَثَ، فَلَوْ بَنَى كَانَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، وَلَوْ قَالَ: فَإِنْ أَحْدَثَ فَلَا بِنَاءَ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ هُنَا بِنَاءً بَطَلَ مَعَ أَنَّهُ لَا بِنَاءَ هُنَا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْبِنَاءِ الْبِنَاءُ الْحَاصِلُ مَعَ الْخُرُوجِ عَلَى تَقْدِيرِهِ.

(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ وَسَعَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَرْكَعْهُمَا بِمَوْضِعِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا تُجْزِئُهُ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ انْتَقَضَ عَمْدًا أَمْ لَا، قَوْلُهُ: فَإِنْ تَبَاعَدَ إلَخْ اُنْظُرْ مَا حَدُّ التَّبَاعُدِ، وَالظَّاهِرُ إنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ مَعَ الْقُرْبِ تَبَاعَدَ.

(ص) وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ (ش) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ يَعْنِي: أَنَّ الطَّائِفَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي طَوَافِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ فِي دَوَرَانِهِ عَنْ يَسَارِهِ دَائِرًا مِنْ جِهَةِ بَابِهِ لِيَصِحَّ طَوَافُهُ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ، أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ رُكْنًا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِطَوَافِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا، وَقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَإِنَّمَا حُمِلَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُنَا عَلَى الْوُجُوبِ دُونَ الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ فَعَلَهَا وَرَتَّبَهَا فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ لِثُبُوتِ الطَّوَافِ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ جَوَازُ تَنْكِيسِهِ وَوَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْوُضُوءِ لَا نُبَالِي بِأَيِّ عُضْوٍ بَدَأْنَا بِأَيْمَانِنَا أَوْ بِأَيْسَارِنَا.

(ص) وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ (ش) هَذَا، وَمَا بَعْدَهُ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الطُّهْرَيْنِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ أَنْ يَجْعَلَ بَدَنَهُ فِي طَوَافِهِ خَارِجًا عَنْ الشَّاذَرْوَانِ، وَإِنْ، وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُحْدَوْدِبُ فِي أَسَاسِ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمُؤْلِفِ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَابْنُ شَاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا كَابْنِ الْحَاجِبِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: فَالطَّهَارَةُ) الْأَوْلَى وَالطَّهَارَةُ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ لِلْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: شَرْطٌ لِصَلَاةِ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ نَظَرٌ إلَخْ) أَيْ: فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ (أَقُولُ) : إنَّ هَذَا الْمُعْتَرِضَ سَلَّمَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْأَوْلَى الْإِفْصَاحُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْشَأُ عَنْهُ الصِّفَةُ) أَيْ: وَالْمَلْحُوظُ ذَلِكَ النَّاشِئُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُنْقَضٍ وَزَائِلٌ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَحْسَنَ لِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ النَّاشِئِ وَتَعْبِيرُهُ بِالطُّهْرِ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ أَيْ: أَحَدُ الطُّهْرَيْنِ وَالطُّهْرُ الثَّانِي مِنْ الْخَبَثِ

(قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيَكُونُ مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَدْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَحْدَثَ فِي الطَّوَافِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَيَبْنِ، قَالَ الْحَطَّابُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ا. هـ.

(قَوْلُهُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ) أَيْ: وُجُوبًا أَيْ: وَذَلِكَ لِلُزُومِ الدَّمِ عَلَى تَرْكِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعَذُّرَ الرُّجُوعِ إلَخْ) إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَيْ: مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ الرُّجُوعُ

(قَوْلُهُ: وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) حِكْمَتُهُ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْشِيَ مُسْتَقْبِلًا، فَلَوْ مَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ: كَوْنُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَعَلَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَرَهُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ بَعِيدٌ ا. هـ.

وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - لِطَوَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا وَقَوْلُهُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّيَاسُرُ سُنَّةٌ فَفِي تَرْكِهِ الدَّمُ إنْ خَرَجَ لِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ الطَّوَافِ كَذَلِكَ) أَيْ: لِثُبُوتِ الطَّوَافِ عَنْ الْيَسَارِ إجْمَاعًا أَيْ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْيَسَارِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الْيَسَارِ كَانَ بَاطِلًا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْيَسَارِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تُجْمِعْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَتَّبًا.

(أَقُولُ) يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ لِمَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَتَّبًا وَالْوُضُوءُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ فَعَلَهَا وَرَتَّبَهَا؟ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِمَا عَرَفْت مِنْ مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ

(وَقَوْلُهُ: وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى مَا حَكَى النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ لَفْظَةٌ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورِ الذَّالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>