للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الصُّورَتَيْنِ، نَعَمْ إِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْغُرُورِ فَيَتَّضِحُ؛ فَلِذَا قَالَ الْمَوَّاقُ فِي حَلِّهِ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: تَزْوِيجُ الْحُرِّ أَمَةً، وَالْحُرَّةِ الْعَبْدَ دُونَ بَيَانٍ غُرُورٌ وَاضِحٌ، انْتَهَى. أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَرْمُونِيُّ.

(ص) بِخِلَافِ الْعَبْدِ مَعَ الْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ.

(ش) يَعْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ، أَوْ تَزَوَّجَتِ النَّصْرَانِيَّةُ رَجُلًا تَظُنُّهُ نَصْرَانِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً يَظُنُّهَا مُسْلِمَةً فَإِذَا هِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، فَإِنَّهُ لَا رَدَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ فِي الرِّقِّ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ، وَالْحُرِّيَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ.

(ص) إِلَّا أَنْ يُغَرَّا.

(ش) يَعْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ لِلْأَمَةِ: إِنَّهُ حُرٌّ، أَوِ الْمُسْلِمُ إِذَا قَالَ لِلنَّصْرَانِيَّةِ: إِنَّهُ عَلَى دِينِهَا، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ، فَلِلْأَمَةِ أَنْ تَرُدَّ الْعَبْدَ، وَلِلنَّصْرَانِيَّةِ أَنْ تَرُدَّ الْمُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهَا، وَقَوْلُهُ: يُغَرَّا بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ بِالْبَنَّاءِ لِلْفَاعِلِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الْمَغْرُورَانِ، وَالْفَاعِلُ عَلَى نُسْخَةِ الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ هُوَ الْغَارَّانِ، وَعَلَى كُلٍّ يَشْمَلُ الْغُرُورُ الْجَانِبَيْنِ، فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: بِخِلَاف الْعَبْدِ مَعَ الْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَرْبَعَةً أَنَّ قَوْلَهُ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ شَامِلٌ لِغُرُورِهِ لَهَا وَغُرُورِهَا لَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْمُسْلِمُ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ.

(ص) وَأَجَلُ الْمُعْتَرَضِ سَنَةٌ.

(ش) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَرَضَ هُوَ الَّذِي لَهُ آلَةٌ كَآلَةِ الرِّجَالِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَنْتَشِرُ، فَإِذَا كَانَ الْمُعْتَرَضُ حُرًّا أَوْ هُوَ مُقِرٌّ بِاعْتِرَاضِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ وَطْءٌ لِزَوْجَتِهِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً لِعِلَاجِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا، وَالسَّنَةُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، فَإِذَا مَرَّتْ سَنَةٌ فَإِنَّهُ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا كَانَ أَجَلُهُ سَنَةً لِتَمُرَّ عَلَيْهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ؛ فَإِنَّ الدَّوَاءَ رُبَّمَا أَثَّرَ فِي فَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ، وَإِذَا قَامَتْ زَوْجَةُ الْمُعْتَرَضِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَا يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ الْآنَ بَلْ حَتَّى يَصِحَّ، فَإِذَا صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً ضُرِبَ الْأَجَلُ، فَلَوْ مَرِضَ ثَانِيًا فَلَا يُزَادُ لَهُ عَلَى أَجَلِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَإِنْ مَرِضَ) ، أَيْ: بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَسَوَاءٌ اسْتَغْرَقَ مَرَضُهُ جَمِيعَ السَّنَةِ أَوْ بَعْضَهَا.

(ص) وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا.

(ش) يَعْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ الْمُعْتَرَضَ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ وَطْءٌ لِزَوْجَتِهِ أَصْلًا، وَهُوَ مُقِرٌّ بِاعْتِرَاضِهِ يُؤَجَّلُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِيَّةٍ كَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ كَالْحُرِّ.

(ص) وَالظَّاهِرُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهَا.

(ش) أَيْ: وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ: لَا نَفَقَةَ لِامْرَأَةِ الْمُعْتَرَضِ فِي السَّنَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي امْرَأَةِ الْمَجْنُونِ إِذَا عُزِلَ عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى رَفْعِهِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَهَا النَّفَقَةُ كَامْرَأَةِ الْمُعْسِرِ بِالصَّدَاقِ إِذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ صَدَاقَهَا؛ إِذْ لَعَلَّ لَهُ مَالًا فَكَتَمَهُ، فَامْرَأَةُ الْمُعْتَرَضِ أَحْرَى فِي وُجُوبِهَا لَهَا

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: إِذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْغُرُورِ) ، أَيْ: لَا مِنْ بَابٍ خُلْفِ الظَّنِّ. (قَوْلُهُ: فِي حَلِّهِ) ، أَيْ: حَلِّ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ: " ابْنُ عَرَفَةَ " مَقُولُ الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: دُونَ بَيَانٍ) ، أَيْ: تَزَوَّجَتِ الْأَمَةُ الْحُرَّ وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِأَنَّهَا أَمَةٌ، وَتَزَوَّجَتِ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ وَلَمْ يُخْبِرْهَا بِأَنَّهُ عَبْدٌ. (قَوْلُهُ: غُرُورٌ) خَبَرُ " تَزْوِيجُ "، وَقَوْلُهُ: " وَاضِحٌ " خَبَرُ " قَوْلُ "، وَإِنَّمَا كَانَ وَاضِحًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحُرَّ وَالْحُرَّةَ إِنَّمَا يَتَزَوَّجَانِ مَثَلَهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَالْمُسْلِمُ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ) ، وَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُرْتَدًّا لِغُرُورِهِ لِلذِّمِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ ذِمِّيٌّ "؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ صَارِفَةٌ عَنْ ذَلِكَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ مُرْتَدًّا بِذَلِكَ لَمَا أَقَرَّ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَزَوَّجَ ... إِلَخْ) ، وَمِثْلُهُ: لَوْ تَزَوَّجَتِ الْأَمَةُ عَبْدًا تَظُنُّهُ حُرًّا.

(قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يُغَرَّا) دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: "وَبِغَيْرِهَا إِنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ" ذَكَرَهُ تَوْضِيحًا. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَرْبَعَةً ... إِلَخْ) إِذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ؛ تَعْلَمُ قُصُورَ مَا حَلَّ بِهِ سَابِقًا، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْعَبْدَ غَرَّ الْأَمَةَ، وَالْمُسْلِمَ غَرَّ النَّصْرَانِيَّةَ.

(قَوْلُهُ: وَأَجَلُ الْمُعْتَرَضِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ مُقَيِّدًا بِإِقْرَارِهِ، وَبِرَجَاءِ بُرْئِهِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِ وَطْءٍ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: "سَنَةٌ أَيْ: قَمَرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: قَدِيمًا) بِأَنْ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ: "أَوْ حَادِثًا" بِأَنْ كَانَ حَاصِلًا بَعْدَ الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ: مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ) هَذَا إِذَا تَرَافَعَا لِلْحَاكِمِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، فَمِنْ يَوْمِ التَّرَاضِي بَهْرَامَ.

(قَوْلُهُ: الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ) : فَصْلُ الشِّتَاءِ، وَفَصْلُ الرَّبِيعِ، وَفَصْلُ الصَّيْفِ، وَفَصْلُ الْخَرِيفِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ تَأْتِي فِي الْعَبْدِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنَّفَ قَدْ قَالَ: "وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا". (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ) ، سَوَاءٌ كَانَ يَقْدِرُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ عَلَى عِلَاجٍ أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا) بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، أَيْ: لِأَنَّ تَحْدِيدَ مُدَّةِ النِّكَاحِ عَذَابٌ، وَالْعَبْدُ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ، وَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ أَمَارَاتٌ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِخِلَافِ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا التَّعْلِيلِ وَبَيْنَ تَعْلِيلِهِ التَّأْجِيلَ فِي الْحُرِّ بِالسَّنَةِ بِمُرُورِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ: وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ ... إِلَخْ) ، وَأَمَّا ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّمَا اخْتَارَ عَدَمَهَا فِي امْرَأَةِ الْمَجْنُونِ؛ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً أَوْ نِصْفَهَا، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ الْمُعْتَرَضَ عَلَى الْمَجْنُونِ. (قَوْلُهُ: إِذَا عُزِلَ عَنْهَا) ، أَيْ: إِذَا أُجِّلَ سَنَةً، وَعُزِلَ عَنْهَا، أَيْ: لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً، أَوْ نِصْفَهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. (قَوْلُهُ: بِمَا) ، أَيْ: بِسَبَبِ جُنُونٍ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى رَفْعِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَهَا النَّفَقَةُ ... إِلَخْ) ، أَيْ: لِامْرَأَةِ الْمَجْنُونِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ: وَيُتَلَوَّمُ لِلْمَجْنُونِ، وَيُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي زَمَنِ التَّلَوُّمِ، فَإِنْ بَرِئَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ زَوْجَةِ الْمَجْنُونِ وَالْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمُعْتَرَضِ مُسْتَوٍ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِالدُّخُولِ أَوِ التَّمْكِينِ مَعَ الدُّعَاءِ لَهُ، فَإِنْ مَنَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ نَفْسَهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، إِلَّا زَوْجَةَ الْمَجْنُونِ عَلَى غَيْرِ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِشِدَّةِ خَوْفِ ضَرَرِهَا.

(قَوْلُهُ: إِذْ لَعَلَّ لَهُ مَالًا) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: "كَامْرَأَةِ الْمُعْسِرِ"، أَيْ: أَنَّ امْرَأَةَ الْمُعْسِرِ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ. (قَوْلُهُ: فَامْرَأَةُ الْمُعْتَرَضِ أَحْرَى) ، أَيْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>