أن يقسم أرض مصر فلم يجيبوهم إلى ذلك ولم يستطب أحد من الخلفاء أحدا من الغانمين في ذلك، فضلا عن أن يستطيب أنفس جميع الغانمين.
وهذا مما احتج به من جعل الأرض فيئا بنفس الفتح ومن نصر مذهبه كإسماعيل بن إسحاق وغيره، وقالوا: الأرض ليست داخلة في الغنمية، فإن الله حرم على بني إسرائيل المغانم، وملكهم العقار، فعلم أنه ليس من المغانم، وهذا القول يذكر رواية عن أحمد، كما ذكر عنه رواية ثالثة كقول الشافعي، أنه يجب قسمة العقار والمنقول لأن الجميع مغنوم
وقال الشافعي: إن مكة لم تفتح عنوة بل صلحا فلا يكون فيها حجة، ومن حكى عنه أنه قال: إنها فتحت عنوة -كصاحب الوسيط وفروعه- فقد غلط عليه، وقال في السواد، لا أدري ما أقول فيه إلا أني أظن فيه ظنا مقرونا بعلم وظن: أن عمر استطاب أنفس الغانمين، لما روي من قصة المثني بن حارثة، وبسط هذا له موضع آخر.
وقول الجمهور أعدل الأقاويل وأشبهها بالكتاب والسنة والأصول، وهم الذين قالوا: يخير الإمام بين الأمرين تخيير رأي ومصلحة لا تخيير شهوة ومشيئة، وهكذا سائر ما يخير فيه ولاة الأمر ومن تصرف لغيره بولاية كناظر الوقف ووصي اليتيم والوكيل المطلق لا يخيرون تخيير مشيئة وشهوة، بل تخيير اجتهاد ونظر وطلب وتحري للأصلح كالرجل المبتلى بعدوين وهو مضطر إلى الابتداء بأحدهما فيبتدأ بما له نفع، وكالإمام في تولية من ولاه الحرب والحكم والمال يختار الأصلح فالأصلح، فمن ولى رجلا على عصابة وهو يجد فيهم من هو أرضى الله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين.
وهذا بخلاف من خير بين شيئين وله أن يفعل أيهما شاء: كالمكفر