إذا خير بين الإطعام والكسوة والعتق، فإنه وإن كان أحد الخصال أفضل فيجوز له فعل المفضول، وكذلك لابس الخف إذا خير بين المسح وبين الغسل وإن كان أحدهما أفضل، وكذلك المصلي إذا خير بين الصلاة في أول الوقت وآخره وإن كان أحدهما أفضل، وكذلك تخيير الأكل والشارب بين أنواع الأطعمة والأشربة المباحة وإن كان نفس الأكل والشرب واجبا عند الضرورة حتى إذا تعين المأكول وجب أكله وإن كان ميتة، فمن اضطر إلى أكل الميتة وجب عليه أكلها في المشهور عن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، وكذلك تخيير الحاج بين التمتع والإفراد والقران عند الجمهور الذين يخيرون الثلاثة، ويخير المسافر بين الفطر والصوم عند الجمهور.
وأما من يقول لا يجوز أن يحج إلا متمتعا وأنه يتعين الفطر في السفر، كما يقوله طائفة من السلف والخلف من أهل السنة والشيعة فلا يجيء هذا على أصلهم، وكذلك القصر عند الجمهور الذين يقولون: ليس للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ليس له أن يصلي أربعا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في السفر قط إلا ركعتين ولا أحد من أصحابه في حياته، وحديث عائشة التي تذكر فيه:«أنه -أو: أنها- صلت في حياته في السفر أربعًا» ، كذب عند حذاق أهل العلم بالحديث كما قد بسط في موضعه.
إذ المقصود هنا: أن التخيير في الشرع نوعان
فمن خير فيما يفعله لغيره بولايته عليه أو بوكالة مطلقة لم يبح له فيها فعل ما شاء، فعليه أن يختار الأصلح.
وأما من تصرف لنفسه فتارة يأمره الشارع باختيار ما هو الأصلح بحسب اجتهاده، كما يأمر المجتهد بطلب أقوى الآراء، بل وأصلح الأحكام في نفس الأمر، وتارة يبيح له ما شاء من الأنواع التي خير بينهما كما تقدم، هذا إذا كان مكلفًا.