والنكاح والولاء، وإن كان الوارث حاضرا وعاجزا، بل هو من جنس الولاية ولاية النكاح والمال التي لا بد فيها من القدرة على الواجب وفعله بحسب الإمكان، وإذا قدر أن الأب تزوج بضرة وهو يتركها عند ضرة أمها لا تعلم مصلحتها بل تؤذيها أو تقصر في مصلحتها وأمها تعلم مصلحتها ولا تؤذيها فالحضانة هنا للأم قطعا ولو قدر أن التخيير مشروع وأنها اختارت الأم فكيف إذا لم يكن كذلك؟
ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام على تقديم أحد الأبوين مطلقا، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا، بل مع العدوان والتفريط والفساد والضرر، لا يقدم من يكون كذلك على البر العادل المحسن القائم بالواجب (١) .
وقد عللوا أيضا تقديم الأب بعلة ثانية، بأنها إذا صارت مميزة صارت ممن تخطب وتزوج واحتاجت إلى تجهيزها، فإذا كانت عند الأب كان أنظر لها وأحرص على تجهيزها وتزويجها مما إذا كانت عند الأم.
وأبو حنيفة يوافق أحمد على أن الأب أحق بها من الخالة والأخت والعمة وسائر النساء؛ بخلاف ما قاله في الصبي، فإنه جعل الأب أحق به مطلقا، لكن قال: الأم والجدة أحق من الأب فكلاهما قدم الأب وغيره من العصبة على النساء، لكن أحمد طرد القياس فقدمه على جميع النساء، وأبو حنيفة فرق بين عمود النسب وغيره، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الخالة أم" فإذا قدم الأب على النساء اللائي يقدمن عليه في حال صغرها دل ذلك على أن الأب أقوم بمصلحة ابنته من النساء وتبين أن أصل هذا القول ليس من مفردات أحمد، بل هو طرد فيه قياسه.
(١) من هنا إلى آخر القاعدة غير موجود في المجموع ست صفحات وخمسا صفحة.