وبكل حال فهو قول قوي متوجه ليس بأضعف من غيره من الأقوال المقولة في الحضانة، وليس قول من رجح الأم مطلقًا بأقوى
منه.
ومما يقوي هذا القول: إن الولد مطلقًا إذا تعين أن يكون في مدينة أحد الأبوين دون الآخر، وكان الأب ساكنا في مصر والأم ساكنة في مصر آخر فالأب أحق به مطلقًا سواءً كان ذكرًا أو أنثى عند عامة العلماء كشريح القاضي وكمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، حتى قالوا: إن الأب إذا أراد سفر نقلة لغير الضرار إلى مكان بعيد فهو أحق به؛ لأن كونه مع الأب أصلح له؛ لحفظ نسبه، وكمال تربيته، وتعليمه وتأديبه، وأنه مع الأم تضيع مصلحته، ولا يخير الغلام هنا عند أحدهما لا يخرج إلى الأحق، فالأب أيضا أحق لأن كونه عند الأب أصلح له، وهذا المعنى منتف في الابن لأنه يخير، ولأن تردد الابن بينهما لا مضرة عليه فيه بخلاف البنت.
واتفقوا كلهم على أن الأم لو أرادت أن تسافر بالذكر أو الأنثى من المصر الذي فيه عقد النكاح فالأب أحق به، فلم يرجح أحد منهم الأم مطلقا فدل على أن ترجيحها في حضانة الولد مطلقًا ذكرًا كان أو أنثى مخالف لهذا الأصل الذي اتفقوا عليه، وعلم أنهم متفقون على ترجيح جانب الأب عند تعذر الجمع بينهما، وهذا ثابت في الولد، وإن كان طفلاً يكون في بلد أبيه بخلاف ما إذا كان الأبوان في مصر واحد فههنا هو مع الصغر للأم، لأن في ذلك جمعا بين المصلحتين.
ومما يقويه أيضا: أن الغلام إذا بلغ معتوها كانت حضانته للأم كالصغير، وإن كان عاقلا كان أمره إلى نفسه يسكن حيث شاء إذا كان مأمونا على نفسه عند الأئمة الأربعة وغيرهم، فإن كان غير مأمون
على نفسه فلم يجعل أحد الولاية عليه للأم، بل قالوا: للأب ضمة إليه