وهو الذي عليه أصحابه في أصول الفقه، ومع هذا فقد قال بلفظ الاستحسان، كما قال: أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين درهما، ولهذا يحكي للشافعي من الاستحسان قولهم: قديم، وجديد.
وكذلك أحمد بن حنبل نقل عنه أبو طالب أنه قال: أصحاب أبي حنيفة إذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا: نستحسن هذا وندع القياس، فيدعون الذين يزعمون أنه الحق بالاستحسان، قال: وأنا أذهب إلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه. قال القاضي أبو يعلى: ظاهر هذا يقتضي إبطال القول بالاستحسان، وكيف لا يصح قياس المنصوص عليه على المنصوص عليه.
قلت: مراد أحمد أني أستعمل النصوص كلها ولا أقيس على أحد النصين قياسا يعارض النص الآخر كما يفعل من ذكره حيث قاسوا على أحد النصين ثم يثبتون الاستحسان إما بالنص أو غيره، والقياس عندهم من جنس العلة الصحيحة، فينقضون العلة التي يدعون صحتها بمجمل أو قياس معارض.
وهذا من أحمد يبين أنه يوجب طرد العلة الصحيحة، وأن انتقاضها بمساويها من مخالف يوجب فسادها؛ ولهذا قال: لا أقيس على أحد النصين قياسا ينقضه النص الآخر، فإن ذلك يدل على فساد القياس. وهو يستعمل مثل هذا في مواضع مثل حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا» مع حديث عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم» . والناس في هذا على ثلاثة أقوال:
منهم: من سوى بين الهدي والأضحية في المنع ويقول: إذا أرسل المحرم هديا لم يحل حتى ينحر كما يروى عن ابن عباس وغيره.