للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال القاضي أيضا:

فصل

يصح الاحتجاج بالمجاز والدلالة عليه أن المجاز يفيد معنى من طريق الوضع [كما أن الحقيقة تفيد معنى من طريق الوضع] ألا ترى إلى قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [٤٣/٤] ، يفيد المعنى وإن كان مجازا؟ لأن الغائط هو الموضع المطمئن من الأرض استعمال في الخارج. قال: وكذلك قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [٢٢، ٢٣/٧٥] ومعلوم أنه أراد غير الوجوه ناظرة؛ لأن الوجوه لا تنظر وإنما الأعين، وقد احتج الإمام أحمد بهذه الآية في وجود النظر يوم القيامة في رواية المروذي والفضل بن زياد وأبي الحارث.

وأيضا: فإن المجاز قد يكون أسبق إلى القلب، كقول الرجل لصاحبه: «تعال» أبلغ من قوله: يمنة ويسرة، وكذلك قوله: «لزيد علي درهم» مجاز وهو أسبق إلى النفس من قوله: «يلزمني لزيد كذا درهم» وإذا كان يقع بالمجاز أكثر مما يقع بالحقيقة صح الاحتجاج به.

قال شيخنا: قلت: كلامه كأنه يشتمل على أن المجاز يصير حقيقة عرفية أو أنه يكون هو الظاهر لما اقترن به، فيكون هو الظاهر: إما لاستعمال غالب، وإما لاقتران مرجح، فإما مجردا، وإما مقرونا، وقد يكون أدل على المقصود من لفظ الحقيقة.

وقوله: «أسبق إلى القلب» يراد به أن معنى لفظ المجاز أسبق من معنى حقيقة لفظ المجاز، وأن ذلك المعنى أسبق من حقيقة ذلك

المعنى؛ فإن معنا حقيقتين: حقيقة بإزاء لفظ المجاز، وحقيقة بإزاء

معناه، تلك عدل عن معناها، وهذه عدل عن لفظها، فالمتكلم

بالمجاز لابد أن يعدل عن معنى حقيقة وعن لفظ حقيقة أخرى إلى لفظ

<<  <  ج: ص:  >  >>