فإن قيل: ففي حديث القلتين: «أنه سئل عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب؟ فقال: إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث» وفي لفظ: «لم ينجسه شيء» .
قيل: حديث القلتين فيه كلام قد بسط في غير هذا الموضع، وبين أنه من كلام ابن عمر لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) .
فإذا صح فمنطوقه موافق لغيره، وهو أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
وأما مفهومه إذا قلنا بدلالة مفهوم العدد فإنما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه مخالف للحكم في المنطوق بوجه من الوجوه لتظهر فائدة التخصيص بالقدر المعين، ولا يشترط أن يكون الحكم في كل صورة من صور المسكوت عنه مناقضة للحكم في كل صورة من صور المنطوق، وهذا مفهوم قولهم: المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن يكون كل ما لم يبلغ القلتين ينجس؛ بل إذا قيل بالمخالفة في بعض الصور حصل المقصود؛ والمقدار الكثير لا يغيره ورود ما ورد عليه في العادة؛ بخلاف القليل فإنه قد يغيره، وذلك إذا سأل عنه فإنه لا يحمل النجاسة في العادة فلا ينجسه، وما دونه فقد يحمل وقد لا يحمل، فإن حملها تنجس وإلا فلا، وحمل النجاسة هو كونها محمولة فيه.
ويحقق ذلك أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذا التقدير ابتداء وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب.
والتخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة
(١) هذه نهاية المطبوع في المجموع، ويبتدي ما لم يطبع من قوله: فإذا صح منطوقه إلى آخر الفتوى، وهو تكميل لبيان الأحكام التي في صدر هذه الفتوى.