بالاتفاق كقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[٣١/٧] فإنه خص هذه الصورة بالنهي لأنها هي الواقعة، لا لأن التحريم يختص بها.
وكذلك قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[٢٨٣/٢] فذكر الرهن في هذه الصورة للحاجة لا للكثرة مع أنه قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة، فهذا رهن في الحضر، فكذلك قوله:«إذا بلغ الماء قلتين» في جواب سؤال معين هو بيان لما احتاج السائل إلى بيانه، فلما كان ذلك المسئول عنه كثيرا قد بلغ قلتين ومن شأن الكثير أن لا يحمل الخبث فلا يبقى الخبث فيه محمولا بل يستحيل فيه الخبث لكثرته بين لهم أن ما سألتم عنه لا خبث فيه فلا ينجس.
ودل كلامه على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولا، فحيث كان الخبث محمولا موجودا في الماء كان نجسا، وحيث كان الخبث مستهلكا فيه غير محمول في الماء كان باقيا على طهارته.
والمنازع يقول: المؤثر في التنجيس في القليل ولو مطلقا هو نفس الملاقاة وهي موجودة لحمل الخبث كان القليل والكثير سواء في ذلك. وكونه لا يحمل الخبث ليس هو لعجزه عنه كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لكان القليل أولى أن يحمله، فصار حديث القلتين موافقا لقوله «الماء طهور لا ينجسه شيء» .
والتقدير فيه لبيان أنه في صورة السؤال لم ينجس؛ لا أنه أراد أن كل ما لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث؛ فإن هذا مخالفة للحس؛ إذ ما دون القلتين قد يحمل الخبث وقد لا يحمله، فإن كان الخبث كثيرا وكان الماء يسيرا يحمل الخبث، وإن كان الخبث يسيرا والماء كثيرا لم يحمل الخبث؛ بخلاف القلتين فإنه لا يحمل في العادة الخبث الذي سألوه عنه.