ونكتة الجواب: أن كونه يحمل الخبث أو لا يحمله أمر حسي يعرف بالعكس، فإذا كان الخبث موجودا فيه كان محمولا، وإن كان مستهلكا لم يكن محمولا، فإذا علم كثرة الماء وضعف الملاقي علم أنه لا يحمل الخبث.
والدليل على هذا اتفاقهم على أن الكثير إذا تغير ريحه حمل الخبث، فصار قوله:«إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» و «لم ينجسه شيء» كقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهو إنما أراد إذا لم يتغير في الموضعين، وأما إذا كان قليلا فقد يحمل الخبث لضعفه.
وعلى هذا يخرج أمره بتطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبعا إحداهن بالتراب والأمر بإراقته، فإن قوله «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه» أو «فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» كقوله: «إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» .
فإذا كان النهي عن غمس اليد في الإناء هو في الإناء المعتاد للغمس وهو الواحد من آنية المياه فكذلك تلك الآنية هي الآنية المعتادة للولوغ وهي آنية الماء، وذلك أن الكلب يلغ بلسانه شيئا بعد شيء، فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه ولعابه ما يبقى وهو لزج فلا يحيله الماء القليل بل يبقى، فيكون ذلك الخبث محمولا في ماء يسير في ذلك الإناء، فيراق ذلك الماء لأجل كون الخبث محمولا فيه لما يروى:«ويغسل الإناء الذي لاقاه ذلك الخبث» .
وهذا بخلاف الخبث المستهلك المستحيل كاستحالة الخمر، فإن الخمر إذا انقلبت في الدن بإذن الله تعالى كانت طاهرة باتفاق العلماء، وكذلك جوانب الدن، فهناك يغسل الإناء وهنا لا يغسل، لأن الاستحالة حصلت في أحد الموضعين دون الآخر.