الخروج من الحبس مع ملازمته له، وليس على المحبوس أن يقبل ما يبذله له الغريم مما عليه منة فيه. ويملك الرجل منع امرأته من الخروج مطلقًا إذا قام بما لها عليه، وليس لها أن تمتنع من قبول ذلك.
وبهذا وغيره يتبين أن له أن يلزمها ويمنعها من الخروج أكثر مما لها أن تلزمه وتمنعه من الخروج من حبسه، فإذا لم يكن له من يقوم مقامه في ذلك لم يجز أن يمنع من ملازمتها وهذا حرام بلا ريب. ولا ينازع أحد من أهل العلم أن حبس الرجل إذا توجه تتمكن معه امرأته من الخروج من منزله. وإسقاط حقه عليها حرام لا يحل لأحد من ولاة الأمور والحكام فعل ذلك حرة عفيفة كانت أو فاجرة، فإن ما يفضي إلى تمكينها من الخروج إسقاط لحقه، وذلك لا يجوز، لا سيما وذلك مظنة لمضارتها له أو فعلها للفواحش ... إلى أن قال: فرعاية مثل هذا من أعظم المصالح التي لا يجوز إهمالها. قال: وهي إنما تملك ملازمته، وملازمته تحصل بأن تكون هي وهو في مكان واحد، ولو طلب منها الاستمتاع في الحبس فعليها أن توفيه ذلك؛ لأنه حق عليها، وإنما المقصود بالحبس أو الملازمة أن الغريم يلازمه حتى يوفيه حقه، ولو لازمه في داره جاز.
فإن قيل: فهذا يفضي إلى أن يمطلها ولا يوفي.
فالجواب: أن تعويقه عن التصرف هو الحبس، وهو كاف في المقصود إذا لم يظهر امتناعه عن أداء الواجبات، فإن ظهر أنه قادر وامتنع ظلمًا عوقب بأعظم من الحبس بضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي، كما نص على ذلك أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«مطل الغني ظلم» والظالم يستحق العقوبة، فإن العقوبة تستحق على ترك واجب أو فعل محرم، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» ومع هذا لا يسقط حقه على امرأته؛ بل يملك حبسها في منزله.