العوض، لما ظنوا أن الله حرم الميسر لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمنة أكل المال بالباطل. فقالوا: إذا لم يكن فيه أكل مال بالباطل زال سبب التحريم.
وأما الجمهور فقالوا: إن تحريم الميسر مثل تحريم الخمر؛ لاشتماله على الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولإلقائه العداوة والبغضاء، ومنعه عن صلاح [ذات] البين الذي يحبه الله ورسوله، وإيقاعه اللاعبين في الفساد الذي يبغضه الله ورسوله، واللعب بذلك يلهي القلب ويشغله ويغيب اللاعب به عن مصالحه أكثر مما يفعله الخمر؛ ففيها ما في الخمر وزيادة، ويبقى صاحبها عاكفًا عكوف شارب الخمر عن خمره وأشد، وكلاهما مشبه بالعكوف على الأصنام، كما في المسند أنه قال:«شارب الخمر كعابد الوثن» وثبت عن أمير المؤمنين رضي الله عنه: أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون) وقلب الرقعة.
وإذا كان ثم مال تضمن أيضًا أكل المال بالباطل، فيكون حرامًا من وجهين. والله حرم الربا لما فيه من أكل المال باطلاً.
وما نهي عنه من بيع الغرر كبيع حبل الحبلة وبيع الثمار قبل بدو الصلاح والملامسة والمنابذة إنما حرمه لما فيه من أكل المال بالباطل.
«النوع الثالث» من المغالبات: ما هو مباح لعدم المضرة الراجحة، وليس مأمورًا به على الإطلاق لعدم احتياج الدين إليه، ولكن قد يقع أحيانًا كالمصارعة والمسابقة على الأقدام ونحوه. فهذا مباح باتفاق المسلمين إذا خلا عن مفسدة راجحة. وقد صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركانة بن يزيد، وسابق عائشة، وكان أصحابه رضي الله عنهم يتسابقون على أقدامهم بحضرته. لكن أكثر العلماء لا يجوزون في هذا سبقًا وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا سبق إلا في
خف أو حافر أو نصل» ولأن السبق إنما أبيح إعانة على ما أوجبه الله