ورسوله من الجهاد. وأبو حنيفة أباح السبق بالمحلل، كما يبيحه في سباق الخيل بناء على أن العمل بنفسه مباح، والسبق عنده من الجعالة، والجعالة تجوز على العمل المباح. والذي قاله هو القياس، ولو كان السبق من جنس الجعالة فإن الناس قد تنازعوا في جواز الجعالة، وأبطلها طائفة من الظاهرية. والصواب الذي عليه الجمهور جوازها، وليست عقدًا لازمًا؛ لأن العمل فيها معلوم. ولهذا يجوز أن يجعل للطبيب جعلاً على الشفاء، كما جعل سيد الحي اللديغ لأصحاب - النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رقاه أبو سعيد الخدري.
ولا يجوز أن يستأجر الطبيب على الشفاء، لأنه غير مقدور عليه.
ومن هنا يظهر فقه «باب السبق» فإن كثيرًا من العلماء اعتقدوا أن السبق إذا كان من الجانبين وليس بينهما محلل كان هذا من الميسر المحرم، وأنه قمار؛ لأن كلاً منهما متردد بين أن يغرم أو يغنم، وما كان كذلك فهو قمار. واعتقدوا أن القمار المحرم إنما حرم لما فيه من المخاطرة والتغرير، وظنوا أن الله حرم الميسر لذلك، وهذا موجود في المتسابقين إذا أخرج كل منهما السبق، فحرموا ذلك. وروي في ذلك حديث ظنه بعضهم صحيحًا؛ وهو قوله:«من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار» ومعلوم أن هذا الحديث ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو من كلام سعيد بن المسيب، هكذا رواه الثقاة، ورفعه سفيان بن حسين الواسطي وهو ضعيف.
ثم الذين اعتقدوا أن هذه المسابقة بلا محلل قمار تنازعوا بعد ذلك فمنهم من لم يجوز العوض بحال. ومنهم من جوزه من أحدهما بشرط ألا يرجع إليه بل يعطيه الجماعة إن غلب. وروي ذلك عن مالك وغيره، وهو أصح.