والقياس: لو كانت المسابقة من الطرفين قمارًا محرمًا فإنهم رأوا أن هذه ليست جعالة يقصد الجاعل فيها بدل الجعل في عمل ينتفع به؛ إنما قصد أن يغلب صاحبه فحرموها، وقالوا: دخول المحلل فيها يزيدها شرًا، وأن المقامرة حرمت لما فيها من أكل المال بالباطل، والمحلل يزيدها شرًا؛ فإن المتسابقين إذا غلب أحدهما صاحبه فأخذ ماله كان هذا في مقابلة أن الآخر إذا غلبه أخذ ماله. فكان مبناها على العدل؛ بخلاف المحلل فإنه ظلم محض؛ فإنه بعرضة أن يغنم أو يسلم، والآخران قد يغرمان فلا يستوون في المغنم والمغرم والسلامة؛ بخلاف إذا لم يكن بينهما محلل فكلاهما قد يغنم وقد يغرم وقد يسلم فيما إذا تساويا وجاءا معًا. فهذا أقرب إلى العدل؛ فإذا حرم الأقرب إلى العدل فلأن يحرم الأبعد عنه بطريق الأولى.
وأيضًا فإذا قيل: هذا محرم لما فيه من المخاطرة وأكل المال بالباطل كان بالمحلل أشد تحريمًا؛ لأنها أشد مخاطرة وأشد أكلاً للمال بالباطل؛ لأنها عند عدمه إنما أن يغنم أو يغرم أحدهما، وهنا المخاطرة باقية كل منهما قد يغنم أو قد يغرم، وانضم إلى ذلك مخاطرة ثالثة وهي أنه هناك يغرم إذا غلبه صاحبه، وهنا يغرم إذا غلبه، وإذا غلبه المحلل فكان المحلل زيادة في المخاطرة.
وأيضًا: فإن كلا يحتمل أن يغلب ويغنم أو يغرم. وأما المحلل فلا يحتمل أن يغلب أو يغرم؛ بل هو يغنم لا محالة أو يسلم.
فمن تدبر هذه الأمور علم أن الشريعة منزهة عن مثل هذا أن تحرم الشر لمجرد مفسدة قليلة وتبيحها بالمفسدة عينها إذا كثرت، ولكن أصحاب الحيل كثيرًا ما يقعون في هذا فيحرمون على الرجل بعض أنواع الزيادة دفعًا لأكل المال بالباطل لئلا يتضرر، ويفتحون له حيلة يؤكل فيها ماله بالباطل أكثر، ويكون فيها ظلمه وضرره أعظم.