ومن العلماء من أباح السبق بالمحلل، كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن مالك. وهذا مبني على أصلين.
أحدهما: أن هذه جعالة.
والثاني: أن القمار هو المخاطرة الدائرة بين أن يغنم باذل المال أو يغرم أو يسلم، وهذا المعنى ينتفي بالمحلل، فإنه حينئذ يدور على أمرين: أن يغنم، أو يغرم، أو يسلم. وقد تقدم التنبيه على بعض ما في كل من الأصلين.
والمقصود الأعظم بيان فساد ظن الظان أنه بدون المحلل قمار وبالمحلل يزول القمار.
فيقال: أولاً: إن الدليل الشرعي قد دل على أن القمار هو هذا دون هذا.
ويقال ثانيًا: المتسابقان كل منهما متردد بين أن يغنم أو يغرم أو يسلم؛ فإنهما لو جاءا معًا لم يأخذ أحدهما سبق الآخر. فقولهم: إن القمار هو المتردد بين أن يغنم أو يغرم فقط ليس بمستقيم؛ بل عندهم وإن تردد بين أن يغنم أو يغرم أو يسلم فهو أيضًا قمار وهذا موجود مع المحلل؛ فإن كلاً منهما يتردد بين أن يغنم إن غلب وبين أن يغرم إن غلب، وبين أن يسلم إن جاءا معًا، أو جاء هو ورفيقه معًا، فالمخاطرة فيها موجودة مع المحلل؛ وبدون المحلل، بل زادت بدخوله فتبين أن المعنى لم يزل بدخول المحلل. بل ازداد مفسدة؛ فإنه على بر السلامة ولا عدل فيه؛ بخلاف ما لو كانوا بلا محلل. فكان كل منهما مساويًا للآخر في الاحتمال، وهذا عدل، وهو على الميزان بينهما؛ بل الذي بذلك الجعل ليجعل الرغبة فيما يحبه لا ينظر في مصلحته، بل معرضًا للخسارة،
ويجعل الدخيل الذي جاء تابعًا للغرض لا يخسر شيئًا من ماله، والذي يتقرب إلى الله بما يحبه يخسر، والذي لم يقصد لم يعط