إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسولُه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
أما بعد: فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢].
والفقه في الدين من أشرف العلوم وأعلاها منزلة، لما فيه من خير للناس في تصحيح عباداتهم ومعاملاتهم، وقد قال نبينا ﷺ:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". وقد قام من علماء الحنابلة أفذاذ، وأئمة جهابذة تمكنوا من هذا العلم، ونذروا له حياتهم، وبذلوا لخدمته الرخيص والنفيس، وصرفوا هممهم للتصنيف والتأليف، حتى جعلوه عَذْبَ المورد، سهل المتناول، فتنوَّرت بآرائهم القلوب والعقول، وعمرت بتآليفهم المكتبات، وكان كل جيل منهم يتمم ما بدأه الذي قبله، حتى وصل المطاف إلى عالِم مصر، وشيخ الحنابلة في زمانه، الشيخ منصور بن يونس البهوتي صاحب التصانيف المشهورة، والتآليف النافعة، فألَّف كتاب "عمدة الطالب" وهو أحد الأسفار التي عكف على قراءتها ودراستها طلبة العلم، فوقع هذا الكتاب فيهم موقعه، وصار اسمًا على مسمى، وما زال العلماء يتناولون هذا الكتاب شرحًا وتدريسًا إلى يومنا هذا، فهو بوابة لمن أراد الولوج إلى الفقه الحنبلي، ولما لهذا السفر من أهمية ومكانة بين الدارسين، فقد قام بشرحه علامة نجدٍ في زمانه الشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد الشهير بابن قائد المتوفى سنة (١٠٩٧ هـ) وسمَّاه: "هداية الراغب لشرح عمدة الطالب"، فجاء متممًا للعمدة، كافيًا للناظر فيه، فهو عصارة لأمَّات الكتب، وقد وصفه ابن بدران في "المدخل"(١) بقوله: "عمدة