للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"" جملةٌ معترضةٌ بين القولِ والمقولِ، لا محلَّ لها مِن الإعراب، قصدَ بها الدعاءَ للمصنِّف؛ لما يستحقُّه عليه مِن أَجْلِ أنَّه وضَّح السبيلَ بالدواوين التي دوَّنها مِن العلومِ، وهي خبريَّة لفظًا، إنشائية معنًى، إلا أنَّ المعنى واضحٌ على أنَّ الرحمةَ صفةُ فِعْل بمعنى الإنعام، وإمَّا على أنَّها صفةُ ذاتٍ بمعنى إرادةِ الإنعام، فالدعاءُ باعتبار تعلُّقها التَّنْجيزيِّ الحادِث؛ لأنَّ لها تعلقاتٍ ثلاثةً: تنجيزيَّان قديمٌ وحادِثٌ، وصَلوحيٌّ قديمٌ، على ما هو مقرَّرٌ مشهورٌ، ثم ما ذكرَ مِن أنَّها بمعنى الإنعام أو إرادتِه، ليس على طريقِ الحقيقةِ، بل مجازٌ مرسَلٌ مِن استعمالِ اسمِ الملزومِ في اللازمِ، وذلك لأنَّ معناها الحقيقيَّ رِقَّةٌ في القلبِ وانعطافٌ، وهي مستحيلةٌ على اللهِ تعالى (١)، كما يأتي التنبيهُ عليه، فيُراد منها لازمُها القريبُ، وهو إرادتُه، تأمَّل.

(بسم الله .. إلخ) فإنْ قيل: جَزْمُه بالبسملةِ مِن أينَ له؟ يَحتملُ أنَّ المصنِّفَ لم يَقُل ذلكَ، وأنَّه مِن زيادة الكَتَبة؟

أُجيب: بأنه إنَّما جزَم بذلك؛ إمَّا أنَّه رأى نسخةً بخطِّ المصنِّف فيها البسملةُ، أو بَلَغه بالتواترِ، أو أنَّه راعى الأكْملَ فجزَم بذلك، والصحيحُ الأوَّلُ أنَّه رأى نسخةً بخطِّ المصنِّف فيها البسملةُ، وهي عندي الآن، ثم إنَّ صنيعَه هنا مِن عدمِ الفَصْل بين أجزاء البسملةِ أَولى مِن صنيعِ غيرِه؛ لأنَّ "الرحمن الرحيم" صفتانِ للفظِ اسمِ اللهِ، والموصوفُ مع صفتِه كالشيءِ الواحدِ، وهو لا يَحسُن الفصلُ بين أجزائِه.

وحاصل ما ذكَره الشارحُ مِن الكلامِ على البسملةِ أوجهٌ:

الأوَّل: في الباء، وفيه بحثان:


(١) الرحمة صفة ثابتة لله، تليق بجلاله سبحانه، ولا تشابه صفات المخلوقين، كبقبة صفات الباري جلَّ وعلا.