للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

على سيدِنا

واعتُرض بأنَّ الاشراكَ خلافُ الأصلِ، ولا دليلَ عليه، ومِن ثَمَّ ذهبَ ابنُ هشامٍ (١) في "مغنيه" إلى أنَّه موضوعٌ لشيءٍ واحدٍ، وهو العطفُ، فإذا أُضيف إلى شيءٍ، يُفسَّر بما يناسبُه، فإِن أُضيف إلى الله، يُفسَّر بالرحمةِ، وهكذا، فهو مُشتَرك اشتراكًا معنويًّا لا لفظيًّا، وتوجيه صاحب "المغني" إذا دارَ الأمْرُ بين الاشتراكِ المعنويِّ واللَّفظيِّ، عُدِل إلى المعنويِّ.

(على سيِّدِنا) أصله سَيْوِد، استُثقلت الكسرةُ على الواو فحُذفت، فالْتَقى ساكنانِ، فقُلبت الواو ياءً، وأُدغمت الياء في الياءِ (٢)، واشتقاقُه مِن السُّؤْدد والكمال، قال النوويُّ (٣) في "أذكاره": يُطلَق السيِّد على الذي يَفوق قومَه ويَرتفعُ قَدْرُه، وعلى الحليمِ الذي لا يَستفِزُّه الغضبُ، وعلى الكريمِ، وعلى المالك، وعلى المتولِّي للسَّواد، أى: الجماعةِ الكثيرةِ، ولا شكَّ أنَّ جميعَ الخِصال الحميدةِ اجتمعت في نبيِّنا .

ووصفُه بالسيادةِ تلويحٌ لِما ثبَت في الحديثِ أنَّه قال: "أَنَا سيِّد وَلَدِ آدمَ ولا فَخْرُ" (٤). ولكن هذا في مقامِ الإخبار عن نفسِه لمرتبتِه، وأما في الصلاةِ عليه منَّا، فهل الأفضلُ ذِكْرُ السيِّد؛ مراعاةً للأدبِ، أو عدمُ ذِكْره؛ رعايةً للوارد في كيفيةِ الصلاة عليه لمَّا سألوه عنها،


(١) هو: جمال الدين أبو محمد، عبد الله بن يوسف بن أحمد الأنصاري، النحوي الفاضل، أتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ، صاحب تصانيف كثيرة منها: "مغني اللبيب"، و "عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب"، و "شذور الذهب". (ت ٧٦١ هـ). "الدرر الكامنة" لابن حجر ٣/ ٩٣، و "بغية الوعاة" للسيوطي ٢/ ٦٨. وكلامه في "المغني" ص ٧٩١.
(٢) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٥٣ و ٢/ ٥٨٥، و "أسرار العربية" لابن الأنباري ص ٣٠.
(٣) هو: محيي الدين، أبو زكريا، يحيي بن شرف بن مُرِّي الشافعي، علامة بالفقه والحديث، له تصانيف كثيرة منها: "شرح مسلم" و "الروضة" و "المنهاج". (ت ٦٧٦ هـ). "طبقات الشافعية الكبري" للسبكي ٨/ ٣٩٥، و "الأعلام" ٨/ ١٤٩. وكلامه في "الأذكار" ص ٤٤٨.
(٤) أخرجه مسلم (٢٢٧٨)، من حديث أبي هريرة ، وهو عند البخاري (٣٣٤٠)، بلفظ: "أنا سيد القوم يوم القيامة".