للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مرَّةً في العُمرِ

ويمكن أن يقال: من لا يجبُ عليه الحجُّ عينًا، بأنْ يكون أدَّى حَجَّةَ الإِسلام، فالحجُّ في حقِّه بعد ذلك فرضُ كفايةٍ؛ باعتبارِ اندراجهِ في عمومِ المخاطَبين بفرضِ الكفاية، فيَعزم كلَّ عامٍ على الحجِّ مع القُدرة لو لم يحجَّ غيرُه، وهو نفلٌ في حقِّه أيضًا باعتبار خصوصِه، فيُسنُّ له العزم على الحجِّ كلَّ عامٍ مع القُدرة. فزيدٌ مثلًا إذا كان أدَّى حَجَّة الإِسلام، ثمَّ رأى النَّاسَ تهيَّؤوا للخروج إلى الحجِّ، فعزَم على الخروج معهم، كان عزمُه وأخذُه في الأسباب على سبيلِ النَّفْليَّة ظاهرًا، ثمَّ إذا حجَّ الجميعُ، فمن كان منهم حجَّتُه حجَّةَ الإِسلام، فثوابُه ثوابُ فرضِ العَين، وغيرُه إن كانَ ممن دخلَ في عمومِ المخاطَبين بفرضِ الكفايةِ، أُثيبَ كلُّ فردٍ منهم ثوابَ فرضِ الكفايةِ؛ لاستوائِهم في مُطلَقِ أداءِ فرضِ الكفاية.

ومُلخَّصُ هذا: أنَّ الحجَّ في حقِّ هذا القسمِ عندَ التَّوجُّهِ إليه (١) فرضُ كفايةٍ على العُمومِ، نَفلٌ على الخصوص، وبعدَ فِعْل الحجِّ يتبيَّنُ أنَّهم قامُوا بفرضِ الكفاية، فيُثابون على الخصوصِ ثوابَ فرضِ الكفاية، ومثلُ هذا يأتي في الصَّلاةِ على الميِّتِ ونحوِها، فلا منافاةَ بينَ كلامِ "الرِّعايةِ" وغيرِها، لما علمتَ من ثبوتِ الاعتبارَيْن المذكورَين، وبهذا أيضًا يَندفعُ ما أوردَه الشَّيخُ خالد (٢). والظَّاهرُ أيضًا سقوطُ فرضِ الكفايةِ بفرضِ العَينِ؛ لحصولِ المقصودِ مَعَ كونِه أعلى. هذا ما ظَهَر لي، ولم أرَهُ مسطورًا. وإذا تقرَّرَ ذلك، فيَجبُ الحجُّ والعمرةُ (مرَّةً) واحدةً (في العُمُر)؛ لقوله : "الحجُّ مرَّةً، فمن زادَ فهو متطوِّعٌ" رواه أحمد وغيره (٣).


(١) جاء في هامش (س) ما نصه: "قوله: عند التوجه إليه. أي: عند توجه الطلب إلى هذا القسم. انتهى تقرير".
(٢) بعدها في (ح): "في جمع الجوامع".
(٣) "مسند" أحمد (٢٣٠٤)، وهو عند أبي داود (١٧٢١)، والنسائي في "المجتبى" ٥/ ١١١، وابن ماجه (٢٨٨٦) من حديث ابن عباس . وصححه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٩٣ ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" ٢/ ٢٢٠: وأصله في "صحيح" مسلم [(١٣٣٧)، وهو عند أحمد (١٠٦٠٧)] من حديث أبي هريرة ، وفيه: فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قال ثلاثًا، فقال: "لو قلت: نعم، لوجبت … " الحديث.