للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر بالشيء نهي عن ضده الوجودي أم لا هنا الخلاف" (١).

- ثالثاً: الأمر بالشيء نهي عن ضده.

مما تقدم يتبين أن هذه القاعدة هي محل البحث، وذلك أنّ {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: ٧٢] أمر، ومعلوم أن هذا الأمر ملزم قطعاً، فإذا حضر وقت الصلاة وتضيق، فهل يجوز للإنسان أن يتشاغل عنها بالنوم، أو الذهاب إلى السوق، أو العمل؟

الجواب: لا يجوز بلا خلاف؛ لأن التشاغل بها مؤد إلى عدم طاعة الأمر بالصلاة، وهذه هي ما تسمى عند أهل الأصول الضد. من هنا قرر الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها كما تقدم قاعدة: (أن الأمر بالشيء نهي عن ضده)، بمعنى: أن الأمر بالصلاة يتضمن أو يستلزم النهي عن التشاغل بأضدادها، فدلالته من طريق الاستلزام لا عن طريق نفس اللفظ؛ لأن لفظ (أقيموا) غير لفظ (لا تقيموا).

وهناك من المتكلّمين من ذهب إلى أن الأمر بالشيء هو عين النهي عند ضده (٢) وليس كذلك؛ لأن لذاك لفظا ولذاك لفظا آخر، فكيف يكون هو عينه؟ إلا إن قالوا إنه عينه من جهة المعنى فيكون الخلاف لفظي، وبهذا يتبين أن الخلاف كما قرره صاحب التلويح:

- ليس في المفهومين للقطع بأن الأمر بالشيء مخالف لمفهوم النهي عنه.

- ولا في اللفظين للقطع بأن صيغة الأمر "إفعل" وصيغة النهي "لا تفعل".

- وإنما الخلاف في أن الشيء المعين إذا أمر به فهل يتضمن أو يستلزم النهي عن ضده معنى أم أنه عينه أم لا هذا ولا ذاك (٣).


(١) حاشية سيلان على شرح الغاية لابن الإمام القاسم ٢/ ١٦٤.
(٢) انظر تيسير التحبير على كتاب التحرير لابن الهمام الحنفي ج ١/ ٣٦٢ - ٣٦٣. والجمع مع المحلى والبناني ١/ ٣٨٦، وعليه جماعة من المعتزلة كأبي هاشم وأتباعه وعليه جماعة من أهل الأصول أما أبو الحسين وعبد الجبار فعلى قواعد الجمهور.
كابن الحاجب والغزالي ونسب إلى إمام الحرمين
(٣) التلويح ١/ ٤٣١.

<<  <   >  >>